الواقع السوري ومبادرة رياض سيف
بقلم أحمد معاذ الخطيب
من أحلام أحد طلاب كلية العمارة في سورية أن يكتب رسالة دكتوراه عنوانها: فن العمارة البعثية! وقبل أن أتكلم عن مبادرة رياض سيف، أحب أن أتكلم عن العقلية البعثية التي صارت في عقول مجموعة منا نحن شعب سورية دون أن ندري، فلا يظنن أحد أن تأثير 50 عاماً لم يحفر أخاديده فينا.
التبجح وشهوة السلطة، الوقاحة في الخطاب، التخوين والاتهام بالعمالة والشك بأي عامل، الحديث عن الفضائل مع الخلو عنها، التسلط والقهر للآخرين، التخريب لكل عمل، إبعاد كل نظيف ومخلص عن الساحة، مصادرة كل شيء مادي ومعنوي، الإعجاب بالذات والنرجسية القاتلة، دفع الناس إلى الانسحاب والسكوت عن كل منكر، إرهاق الناس وإغراقهم بالتفاصيل المملة ومصيرهم تحت خطر الفناء، حصر الوطنية بالمؤيدين والتحطيم الإعلامي والاجتماعي والنفسي لكل مخالف، بذاءة اللسان والشتم دون استثناء دين ولانبي ولا أم ولا أخت، قلة الحياء ونسف الأخلاق وتحطيم أي مرجعية، الشمولية والطائفية والتعصب .. المثالية في الأفكار والهبوط في الواقع…اللصوصية .. وصفات أخرى مشابهة هي سمات أساسية لأغلب البعثيين الحاليين عموما وللعصابة الحاكمة في سورية بالتخصيص.
هذه الصفات انعسكت فينا بنسب مختلفة، وقد زرع النظام فينا فيروساته لنصاب بمرض نقص مناعة حضاري يطيح بنا مئات السنين في قعر واد مظلم مخيف.
نؤمن بأنه لايوجد داء إلا وله دواء، ولكن الإحاطة بأسباب المرض والتشاور حول معالجته، بل رفق كل مريض بأخيه المريض من أسباب العافية والشفاء.
أرى أن أولويات العمل تجاه شعبنا الذبيح هي مايلي :
1- توحيد صفوفه.
2- إيقاف نزيف دمائه .
3- إسقاط النظام الفاشي .
4- النهوض ببلدنا شعبا وأرضا.
يحدثنا القرآن الكريم أن موسى عليه السلام لما عاد من رحلته وجد قومه يعبدون العجل! فلام أخاه هارون الذي تحمل كفر قومه كي لا يفرق صفوفهم (سورة طه 92-97). فالوحدة في تلك الحال أهم من أي مسألة أخرى.
أي شخص مخلص لسورية فهو أخ لنا في هذا الوطن، كل التيارات والقوى والمبادرات هي مكملات لبعضها، ومن يبحث عن ذاته فسيفضح نفسه، وفرض علينا إبعاد السمات البعثية في تعاملنا مع بعضنا، إسلاميين وقوميين وليبيراليين وعلمانيين، وبدل ما أورثنا إياه حزب البعث والعصابة الحاكمة من الصفات فلنكن يداً واحدة ولساناً وقلباً واحداً. ننتقد بحب، ونعترض بحرص على بلدنا، ونتهم أنفسنا قبل أن نتهم الآخرين.
لا أحب سيطرة أحدهم على إعلان دمشق، فالرجل يحمل عقلية ديكتاتورية واضحة (مع الاعتذار منه) ولكني بصراحة أشعر بالأمان لوجود رجل عنيد مثله في الصفوف، ولا ينبغي الاستغناء عن مشورته.
ولاتعجبني طريقة جماعة إسلامية في التعاطي السياسي، وأعتقد أنها بحاجة لصقل طويل، ولكن من الذي ينزع عنهم صفة الوطنية غير هذا النظام المتسلط، وقياداتهم الحالية لم تأت من الكتب والأوراق بل من المعاناة والقهر والمنافي والسجون.
كما أنه ليس من الصواب أن يشتط بعض العلمانيين في مطالبهم ويظهروا أنفسهم كأنهم نصف سورية، وأعترف أنهم أبرع منا نحن الإسلاميين في الإعلام وفهم السياسة وإدارة كثير من الأمور .. ووجودهم لاينبغي أن يقلقنا في كثير ولا قليل، وإن كان قد ظهر لي أن فيهم تطرفاً أخطر بكثير من التطرف الإسلامي الذي يدندنون عليه في الليل والنهار.
الحديث عن ضمان للأقليات لابد منه، ولكنه باستغلال الإعلام الدولي له والدندنة عليه سيوجد شرخاً مع الحاضنة الأعظم التي بقيت خمسين عاماً تحت الاضطهاد .. وصارت تقول: ومن الذي يعطي الضمان لأغلبية أرادوها أن تموت بصمت، ولم يعلموا أنه في أعماقها تتدفق الحياة.
إن الثورة سلمية رغم كل ماحصل، وإنني أكره الحرب والقتال (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) والنظام وحده هو الذي ألجأ الناس إلى حمل السلاح، وهو حق مشروع للدفاع عن أنفسهم، ولكني أخشى من غرور السلاح في أيدي المقاتلين، فأعظم جيش لاينجح من دون عقل سياسي جبار يقوده، وفي نفس الوقت فإن النظام يقود حملة إبادة ضد الشعب بشراً وحجراً وشجراً، ولا أوافق أحداً ممن يجلد المقاتلين ويجعلهم في ندية مع النظام المتوحش الذي ظهر أنه مستعد حتى لقتل جنوده وتفجيرالأحياء التي يقطنها أتباعه من أجل إشعال فتيل الاقتتال الداخلي.
إننا مدعوون إلى الإنصاف والعدل والرحمة ولكن الثورات العظيمة ومنها ثورة بلادنا على ظلم وحشي تجذر خمسين سنة لايمكن أن نجلد فيها بطريقة أفلاطونية مثالية من وضعوا أرواحهم على أكفهم وتقدموا إلى الأمام متحدين همجية الدم والسلاح.
نعم لثقتنا بأمانة من يشاركنا الدرب ولوخالفناه، نعم للتوحد في أمورنا المصيرية، نعم لبيت تحفظ أموره داخله.. نعم لنقاش يطول ثم يزيدنا فهما لما يجري .. ويراكم الألفة والحب فيما بيننا.
رياض سيف منذ أشهر يعمل بلا كلل ولاملل واتصل بكثيرين ، كانت هناك لجنة حكماء يوافقه فيها برهان غليون، تطورت لجنة الحكماء .. ثم انفصل الرجلان .. من البداية
في منتصف الليل أخبرني أحدهم أن الدولة الفلانية قد فرضت 26 شيخ قبيلة على الهيئة الوطنية السورية، واتصلت بالأستاذ رياض في ليحلف لي بالله أن هذا لم يحصل.
اتهموا رياض سيف بأنه يحمل الثانوية ولم يتابع دراسته في كلية العلوم! فهل هذا عار؟ هل نقبل عقلية البعثيين الذين قال أحدهم للطاغوت: لايكفي أن تحكم سورية بل يجب أن تحكم العالم! ولانقبل برياض سيف الذي قتلوا ولده وهددوا أسرته عدة مرات، ودفع من حياته ثماني سنوات في السجون وكان من أوائل من أشهروا سيف الحق في وجه النظام من أجل صفقة الخليوي.. وقال بعضهم: هو يطمع أن يكون رئيسا للوزراء أو لجمهورية قادمة.. فليطمع ياسيدي.. لقد أخرسنا النظام جميعا وهو يضع مراهقا في سدة الحكم ويغير الدستور كله .. فإن أراده الناس فليكن وماهو عيبه ؟ (نفى رياض سيف ذلك في صحيفة الحياة أول البارحة ذلك، كما صرح لي بذلك عدة مرات) ..
اعترض إسلاميون بأنه علماني! وهو ليبرالي كما أعلم، وعلماني أو ليبرالي عادل، خير من منافق دجال .. والعجيب هو خشية علمانيين وليبيراليين آخرين من زملائه أن يكون عميلاً للغرب! أما أخبرتكم بأخلاق البعثيين ..
لست أدافع بباطل عن رياض سيف ولا غيره.. ولي اعتراضات على المؤتمر الذي دعا إليه الأستاذ رياض ومنها:
1- ما ذكره من أن وثيقة القاهرة هي الأساس لاجتماع الدوحة، وهو حر في تبنيه مايراه الأفضل. وثيقة القاهرة فيها ايجابيات كثيرة وقد كتبها أشخاص تم انتقاؤهم برعاية (…) ولم تترك أمراً إلا تحدثت فيه وقررت له وجوداً وحقوقاً … إلا الإسلام فهو ضيف دخيل عليها.
قلت للأستاذ رياض أنه لن يوجد إسلامي واحد يقبل بهذه الضبابية والالتفاف (وأنا أولهم) وهي وثيقة توافق عليها أشخاص مختارون بعناية، وهي تمثل في الحقيقة من كتبها ومن حولهم.
وكي لانفشل المبادرة سأقترح مايلي: المجتمع السوري متنوع ولابد من مراعاة كل أبنائه، الذين تنبع حقوقهم من وجودهم لا كثرتهم، ويتم ذلك بوضع دستور جديد تقوم به هيئة تأسيسية بعد انتخابات حرة تعقب المرحلة الانتقالية، ويمكن متابعة العمل بالدستور الحالي أو دستور عام 1950إن مالت الأكثرية إلى ذلك).
2- كان هناك كلام على أن تطرح الهيئة بصفة (الممثل الشرعي والوحيد لشعب السوري) وقد تم الاعتراض على ذلك من قبل إسلاميين، وطرح أن الهيئة هي (الممثل الشرعي للشعب السوري) وليس الوحيد هي الأنسب، ورحب الأستاذ رياض بهذا. (بالمناسبة كانت هناك ثلاث حكومات مؤقتة ضد نظام عسكري حكم اليونان، وكلها سارت تجاه الحرية).
3- تم الاعتراض على عقد الاجتماع في الدوحة، وكنت ممن يؤثرون القاهرة كونها مقر جامعة الدول العربية واللقاء تحت إشرافها، ولكني ذهبت بصحبة الأستاذ هيثم المالح لنقابل مسؤولا كبيرا في الجامعة ليخبرنا أنه لا توجد ميزانية لديهم لعقد مثل هذا الاجتماع! (فواخجلتاه)، وبعد ذلك ماهي مشكلة الدوحة؟ هل كانت وطنية عندما كان آل الأسد يشحذون الأموال منها ويستجدون الاستثمارات، والآن خسرت وطنيتها أو عروبتها بشهادة آل الأسد؟
4- عبر بعض الإخوة من مخاوفهم أن تكون مشاركة بعض الإسلاميين في الاجتماع مفتاحاً لتمرير صفقات باسمهم على حساب الإسلاميين الذين ساهموا بالثورة وكانوا في مقدمة من دفعوا دمائهم للحرية وبتكبيراتهم تزلزلت الأرض تحت أقدام الطاغوت.
ونقول لكل الإخوة: إننا لن ننفصل عن شعبنا وآلامه وتضحياته، وعندما لا نستطيع القيام بدور إيجابي فإن الانسحاب وإعلان الموقف هو أقل شيء يمكن عمله .. وكل ما سيتم لاحقا لا يمكن قبوله من دون التشاور والتوافق مع إخواننا في الداخل. .. وفي حال وجود استعصاءات فسنعطي الهيئة مهلة شهر واحد لظهور ما وعدت به من التزامات دولية، وبعدها فلكل طريقه ..
إيقاف نزيف الدم لايأتي إلا من خلال توحد الداخل والخارج، والضغط على حكومات العالم وإحراجها أمام شعوبها، وذلك يرجع إلى رص الصفوف والعمل المتواصل، وسنمد الأيدي إلى كل متدين يعلم أن غنى الحياة في تنوعها لا في واحدية عقيمة لها، وأن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، وأن الدنيا دار تعاون في كل خير والله يحكم يوم القيامة بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، كما نمد الأيدي إلى كل مخالف ونرى أن مخالفته هي عامل نهوض لا نكوص كائنا ماكان طيفه مادام يحترم هوية الأمة التي يعيش فيها.
(لا إكراه في الدين) اعتقاد وليس برنامجا سياسيا، والتعددية مبدأ وليس حملة انتخابية.
لانرحب بتشدد المتدين ولامكر العلماني، ونشكر كل من يقدم لنا عوناً سياسيا واقتصاديا وإعلاميا دون أن يفرض وصايته علينا.
إن اللقاء الذي سوف نذهب إليه هو لقاء تشاوري، قد لايخرج بشيء وقد لا يحصل فيه اتفاق، نذهب إليه وعقولنا برؤوسنا، ولكننا لن نتشاجر مع أحد، ونحن الذين سنقرر لحكومات العالم : إن لم تريدوا أن تضغطوا لإيقاف حمام الدم فستتحملون عواقب ذلك الوخيمة.
لابد من إعادة التذكير ببعض الأمور (حسب اطلاعي):
سورية بلد ذو موقع هام جدا في العالم، لذا لا بد من التحكم الدائم فيه من القوى الكبرى.
أول من أفسد بلادنا بعد الاستقلال هو الولايات المتحدة بدعمها لانقلاب حسني الزعيم في آذار 1949، ثم برعايتها الدائمة للمصالح الاسرائيلية. ويجب الاعتراف أن أحد عوامل القوة في حكم حافظ الأسد هي سياساته الخارجية المعلنة (وهي شيء إيجابي لا ننكره) فرغم كون المنطقة تحت النفوذ الأميركي في خرائط السياسة الدولية، إلا أنه وبمكر مرر مصالح أخرى روسية ثم إيرانية، بحيث يصعب على أي قوة منفردة قضم سورية .. ولكن هذا الأمر التكتيكي وبسبب مايسمى الربيع العربي تحول إلى إشكالية، فهناك ثورة لاتعترف بالخرائط الدولية ولم تسمع عنها.
نقطة ضعف الثورة هي نقطة قوتها: اللامركزية. وقد حاولت مختلف القوى لملمة الثورة فلم تنجح، وسورية منطقة خطيرة لا يمكن السماح فيها بفوضى غير مضبوطة.
النظام يدرك خطورة المنطقة لذا يتعامل فيها بمنطق لاعب القمار: المزيد من العنف قد يخمد الثورة، والنظامان الروسي والإيراني يدعمانه، ووهج الثورة استعصى على الاحتواء، لذا فلابد حسب العقلية الغربية العملية من الحصول على مايمكن من الكعكة. لذا ففتح بعض أبواب التسليح التي تنشط المعارضة ولا تجعلها تنتصر لابأس به، فالمساعدات بالقطارة، والصراع خرج من إطاره الداخلي وصار معركة كسر عظم دولية وإقليمية.
كان هناك سيناريو مرعب: توريط تركيا في سورية وبالتالي ستواجهها إيران وروسية وسيضخ الخليج أمواله. النتيجة خراب القوى الاقتصادية والبشرية والعسكرية لأقوى الدول الإسلامية الحالية لصالح الإمبريالية العالمية.
فلسفة الحرب عند بعض السياسيين أشبه بمراهق يجرب كل شيء ولكنه أحيانا يحجم لاستيقاظ فكرة عاقلة في وعيه، وتركيا بعد حماس عسكري وسياسي أحجمت عن مشاركة فعالة، وحده الدب الروسي والشريك الإيراني ما زالا يقامران، والشعب السوري وحده يدفع من دمه فاتورة الصراع، كما أن بشار استهوته البطولة وصدق أنه من أئمة الممانعة وهو الذي لم يدفع قرشا للمقاومة من جيبه بل كان يستنزف الشعب في التبرع لتيارات المقاومة.
تورطت إيران في الملف السوري فهو يشكل لها صراع وجود لا يمكن التنازل عنه، وقادتها النزقون دائماً مازالوا يعيشون بعقلية امبريالية توسعية، وضمن فضاء مذهبي ضيق، وأدى تحالفهم مع صديق أحمق إلى خسائر هائلة لهم في المنطقة ولكنهم مازالوا يقامرون.
الغرب لا يهمه من المنتصر، المهم هو الهيمنة، وكل نفاقه الإعلامي هو عدم الحرج أمام الرأي العام في بلاده والذي لا يزال يموج بمحبي الإنسانية والحرية والعدالة.
من الأفضل أن تبقى سورية ضعيفة لخمسين وربما مائة سنة إلى الأمام، ولابد من ترك النظام يدمر البلد والشعب ينزف دمه، فهذا عين المطلوب لمستقبل آمن لطفل الغرب المدلل في المنطقة.
لو كان في بشار ذرة حب لوطنه لما ترك بلده يهوي، ولما تلاعب بحجج الإصلاح، ولقام بخطوات جادة منها تشبيك الشعب مع بعضه ليصبح قوة لا يمكن تجاوزها. ولما دمر جيش سورية وشوه صورته في مغامرات رعناء، وقد صار واضحاً أن بشار مجرد أداة فضحتها الثورة التي عرت الجميع.
صرت موقنا (وهو رأي بشري خاضع للصواب والخطأ) أن مافعله النظام البعثي المتوحش شيء لايمكن لكلمة في قواميس الخيانة كلها أن تعبر عنه، ففضلا عن القمع والتحكم الشمولي وتدمير طاقات البلد البشرية سابقا .. فهو يدمرها حجراً حجراً اليوم .. ويزج فيها كل فيروسات الاقتتال الداخلي والاحتراب الطائفي.
صمود الشعب العظيم أربك الحسابات، وغير العديد من الخطط، ولكن الصمود وحده لا يكفي فلا بد من نهضة بعد الدمار.
المقاومة المسلحة وسيلة تقويض لنظام متوحش ، ولكن تعترضه عوائق: غرور القوة، وضعف العقل السياسي، والتحكم من الممولين.
في حال غياب وعي وطني سيكون السلاح أداة اقتتال وقد يجر البلاد إلى حرب داخلية عشرات السنين، وهو أسوا مايمكن أن يحصل، والحرب الأهلية الإسبانية امتدت من عام 1935 إلى عام 1972 ودفع فيها الإسبان مليون قتيل!!
السلاح في النهاية حديد صدئ، والإنسان العاقل الذي يحمله عليه أن يقرر من أين هو طريقه، كما أن من الخطورة وضع السلاح الآن فهو الضمان الوحيد لنظام لايرتوي من الدماء.
تجاوز القوى الدولية والاقليمية ليس مستحيلا ولكنه ليس بالسهولة التي يتصورها البعض. هناك قصة لم يمض عليها فترة طويلة: رئيس جمهورية ما .. زار الصين ليعقد اتفاقات اقتصادية، سأله الصينيون: هل أخبرتم الولايات المتحدة بذلك؟ دهش الرئيس وقال: لا .. لم نخبرهم. قال له الصينيون: إن بلادك في منطقة النفوذ الأميركي ولا يمكن تجاوز ذلك!!
ليست أي دولة كبرى قدراً لا يمكن تجاوزه، ولكن هناك أسباباً موضوعية له، وفي الموضوع السوري فالقضية شائكة جدا في ظل تصارع القوى الاقليمية والدولية.
هناك حد أدنى من الحلول يضمن حداً أدنى من الخسائر وهو وحدة أي شعب مقابل القوى التي تواجهه. ليس سرا أن أحد مؤخرات الحل في سورية هو تنازع المعارضة، وليس سراً انه لم يوجد نظام طيع عمليا للقوى العالمية مثل النظام السوري وكل الدول حاولت بكل الوسائل أن تهبه الحياة، ولكن صلفه والدعم الروسي – الإيراني ساقاه من حماقة إلى أخرى بحيث لم يعد من المجدي إصلاحه.
لايمكن أن يرفع الغطاء السياسي كاملا عن النظام دون وجود بديل يملأ الفراغ! ليس حبا بالشعب السوري، ولا تخفيفا من آلامه بل حرصا على عدم حصول حريق غير قابل للسيطرة في مكان خطير. هم يمكرون بنا فلنمكر بكل من يريد لبلدنا سوءاً.
إيجاد بديل للنظام فريضة وطنية، وإذا كانت كل مبادرة ستقابل بالتخوين بل بالشروط التعجيزية التي لاحل لها، وإذا كان حب الكراسي سيسري من آل الأسد إلى قيادات الأمة من كل الأطراف، فثقوا أن الأمر سيطول وقتاً لا أجرؤ على ذكره.
إن إيجاد حكومة انتقالية صار ضرورة وطنية، وإذا كانت كل تلك القوى النائمة لم تسيقظ على أصوات شلالات دماء السوريين، وأيقظها فقط مشروع قدمه رياض سيف صارت تحتال لتقويضه، فإن الأمر لا يخلو من إيجابيات أولها أنه سيجعل الجميع يتنافسون لإظهار حبهم لوطنهم .. وسيتضح للجميع من الذي تقر له ليلى بذاك .. وشكراً لمن نام ثم صحا وصار يتوسل قبوله بنفس طريقة بشار: وعود بالإصلاح .. وعلى الوعد ياطرخون ..
نحن شعب مؤمن وشجاع وذو عطاء وتضحية غير مسبوقة، ولكننا متعبون وتنهش فينا الأمراض البعثية .. ومن الطرائف (رغم اعتزالي الناس عموما) أنني قد تعرفت على ستة رؤساء جمهورية قادمين لسورية!!!!
بارك الله بمن شرع بحملة: لا للتخوين .. وباسم الأمة كلها نشكر كل من يتواضع لأخيه ويعمل بصمت ويتقي الله في وطنه وأهله وشعبه.
إننا لم نكتشف جرائم النظام فينا وما حقنه في أجسادنا من سموم، وكل الخراب العمراني الذي حصل يهون أمام ما خربه في نفوسنا! فليساعد بعضنا بعضنا في الشفاء والعافية والنجاة من الفيروسات القاتلة.
كل القوى في الساحة مدعوة للتوحد .. الخطر القادم هائل .. انتقدوا بعضكم بحب واعترضوا بأخلاق واختلفوا ضمن مبادئ .. سورية تحتاج أكثر من ثمانين مليار دولار فقط لتقف على قدميها من الناحية الاقتصادية إذا توقف تدميرها اليوم.
بلدكم ينزف.. يحتضر .. يموت إن لم تسعفوه ..
كل المسائل مؤجلة اليوم والأولوية هي الاتحاد والاتفاق على انقاذ البلد وإسقاط النظام المتوحش …
لسنا شعبا بدائياً ولا ساذجاً وإذا كانت طيبة قلوبنا وتسامحنا قد أدت إلى أن تحكمنا عصابة آل الأسد سنوات طويلة .. فقد دفعنا من دمائنا ثمن حريتنا وسنبني سورية من جديد .. وإذا كانت رواندا رغم ثمانمائة ألف بريء ذبحوا بالبلطات والفؤوس قد استطاعت الوقوف على قدميها، أفلا تستطيع سورية ذلك؟ شعبنا شعب جبار وحضاري ونشيط، وإذا كانت هناك جهات دعمت رواندا اقتصاديا، فشعبنا يستطيع اختصار الطريق بتعاونه ومشاريعه الجماعية التي تعيد الدفء والحياة إليه ..
ليست الديمقراطية الغربية هي حلمنا، فهي ديمقراطية الاستعلاء والنهب والمكر والتبذير، ديمقراطيتنا (إن شئتم) شورى مسحها المسيح وباركها محمد (عليهما السلام) .. وتعانق فيها مسجد وكنيسة وإسلامي وعلماني كما لم يتعانقوا من قبل .. لأنهم اكتشفوا أنهم يعشقون محبوبا واحدا هو وطنهم ..
ديمقراطيتنا (التي أحب أن أدعوها الشورى لسبب قوي في نفسي) مبنية بالدمع والدمع والتعب .. أقرب إلى ديمقراطيات الفقراء في الهند وجنوب أفريقية .. بل هي نسيج رائع بعد ليل طويل.
نرفض فكر الانسحاب والأحكام المسبقة، ونحب الاقتحام، ونكره الضعف وزعم المكر بنا، فلنمكر نحن بكل من يريد سوءاً ببلدنا .. والله خير الماكرين .. هل كتب علينا أن نبقى ضحايا مؤامرات ونعيش في القماقم خشية الاقتحام؟
ويا شباب سورية وصباياها .. لا تخشعوا للباطل والظلم والفساد، فستتحرر بلادكم وعلى أيديكم، وتحت الشمس المحرقة وفي زمهرير الشتاء .. سترفعون بناء سورية لبنة لبنة وسيحميكم من قوضوا الباطل في ميدان البناء، كما تصدوا للظلم والتوحش في زمان التحرير.
أرى ابتساماتكم وحبات العرق تسيل على وجوهكم وأنتم تبنون بلا تعب وتتابعون بإصرار عنيد دربكم الطويل.
ألمح فجرنا القادم وأرواح آلاف الشهداء ترفرف حولنا يغمرها فرح قدسي، والملايين من أبناء شعبنا أرامل وأيتاما وأمهات ثكلى ومعوقين ومرضى ومجاهدين ومرابطين وباذلين .. من تخوم إدلب الخضراء إلى حدود حوران السمراء، ومن سواحل بلادنا إلى صحراءها المباركة في الشرق .. نتقاسم معهم رغيفنا الخشن بوجوه باسمة بلا وصاية ولا ذلة لأحد.
ياشعب سورية العظيم أدعوك للتوحد والترفع عن نداء الدم الذي يدفعنا إليه النظام.
ياشعب سورية أدعوك أن تعيش أخلاقك لا أخلاق البعثيين، واستقامتك وطهرك الذي يعتدي عليه الأنذال ويريدون تلويثه في كل وقت ..
أعرف عديدين من دعوا إلى اللقاء فاعتذروا مرات، وكثيرون قدموا أسماء غيرهم وهناك من يريد أن يعمل في الصفوف الخلفية، وإنما دعاهم واجب وإلحاح ..
يستطيع أي سوري أن ينتقدهم نقداً بناء من أجل مصلحة سورية، بل يستطيع أن يرفضهم بكل بساطة، ولكن رجاء للجميع: ابتعدوا عن الخطاب البعثي خطاب الاتهام والتفشيل المسبق والصلف والتكبر وعبادة الذات.. وإلا فإنه سوف يأكل الوطن بيابسه وأخضره.
وإذا أراد أحد الاختصار وسأل: هل من حل لإسقاط النظام والابتعاد عن الهيمنة الخارجية والنهوض ببلادنا؟ ألا نملك دواء لكل ما يحيط بنا؟ وسأقول بكل ثقة : بلى أيها السوريون .. أحبوا بعضكم ..