ما هي العلاقة بين الداخل والخارج ـ الراهن والآفاق
يصدرها مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
ناصر الغزالي
بداية باسمي وباسم أسرة مجلة مقاربات أتقدم لكم بالشكر لحضوركم هذه الطاولة المستديرة, وأتمنى أن نوفق أنا والزميل رضوان زيادة عضو هيئة تحرير مقاربات في إدارة هذه الجلسة وفي الأسئلة المطروحة راغبين في إثارة الإشكاليات الفكرية والسياسية، لما يحمل موضوع هذه الندوة من تناقضات لكافة القوى السياسية والفكرية على الساحة السورية.
أثرت التطورات على مفهومي ((الداخل والخارج)) وفرضت تداخلاً سياسياً واقتصادياً وإعلامياً بينهما, مما جعل كثيراً من الباحثين والسياسيين أمام إشكالية كبيرة في تحديد ماهية ومكونات هذين المفهومين.
في هذا العدد من مجلة مقاربات نتقدم لكم بهذه الورقة محاولين سبرهما على المستوى المعرفي من خلال ما تحملونه من قدرة فكرية لها تأثيرها على القوة السياسية وأصحاب القرار. من هنا طرحت مقاربات هذين المفهومين على بساط البحث علها من خلال الأسئلة المطروحة أن تحل جزء من هذه الإشكالية.
بالرغم من طرح هذا الموضوع عبر الصحف ومواقع الانترنت من هنا كان طرحنا لهذا الملف كمحاولة لإغناء هذا الطرح، أبدأ ويشكل مباشر ودون تدخل:
ـ تعريف أولي لمفهوم الداخل والخارج ومدى التداخل بينهما؟
ـ ميشيل كيلو
أعتقد أن هناك، من حيث المبدأ شيء من التعقيد في تعريف الداخل والخارج. ما هو الداخل؟. دعونا نقول أنه المجال الذي يخضع لسيادة سلطة دولة، بمعنى أنه داخل جغرافي/ سيادي، رغم أنه لا يوجد في العالم المعاصر ليست دولة سيدة تماماً، وأن من الصعب جدا اعتبار الداخل مجرد مفهوم جغرافي دون سيادة دولوية ذات معنى سياسي وتفاعلي. إذا ما أخذنا الشكل الحقوقي الذي يرى في الداخل مجال السيادة لشعب يخضع لسلطة دولة، يكون الداخل في الحالة سورية هو المجال السيادي الذي يعيش فيه شعب يسمى الشعب السوري، يخضع لسلطة دولة هي الدولة السورية، مع أن هذه المقاربة ليست دقيقة تماما لأنها تبدو وكأنها تتحدث عن حالة مخبرية معزولة أو حالة يمكن عزلها مخبرياً، مع أنها في الواقع حالة مختلطة متفاعلة، وليست مجرد حالة تقنية، كما عرفتها هنا.
يخضع الداخل لمؤثرات كثيرة، داخلية وخارجية، فهو ليس فقط مجال سيادي وإنما هو أيضا علاقة فيها تفاعلات تقوم على علاقات وتوازنات قوي كثيرا ما تكون متناقضة، تتسم كذلك بتوافقات بين الدولة والشعب الذي يخضع لسلطتها، فنحن إذن أمام نسج وشبكات مرنة ومعقدة لها خصوصيات ثقافية وتاريخية، تجعل الداخل السوري داخلا خصوصيا ووطنيا، وإن لم يكن بالقدر نفسه داخل شعبي، مجتمعي، ولم يتحدد إلى أي درجة هو داخل سياسي، داخل مفعم بقيم العدالة، بالمساواة، بقيم الحداثة..الخ. فالداخل قد يكون مليئا وقد يكون مفرغا، وهو دواخل. ولو أخذنا الحالة الحاضرة لوجدناه داخلا خاضعا، يفتقر إلى ضمانات وحقوق قانونية، ويخضع لسلطة استبدادية تتعامل معه بمنطق القوة وبالتالي العنف والقسر، الذي يجعل حصة السياسة والتدبير في إدارته محدودة، علما بأنه منطق يلجأ إلى الاستعانة بالخارج لضبط توازنات هذا الداخل. إذا أردنا أن نتحدث هنا عن الداخل بالمعنى المجتمعي والشعبي، نجده داخلا مفصولا عن الخارج. فإن تحدثنا عنه من زاوية السلطة كان علينا إدخال الخارج فيه، لأن سياسات السلطة تضفي طابعا خارجيا عليه.
–رضوان زيادة:
نريد قبل أن ندخل بالتشخيص العياني الداخلي السوري نسعى إلى تجريد نظري لمفهوميّ الداخلي والخارجي هل هو ممكن أولا؟
– عبد العزيز الخير
أنا أعتقد أن الداخل هو مفهوم تاريخي كما هو مفهوم جغرافي يعني هو مفهوم متغير مع تغير التاريخ له استقراره النسبي مثلاً في مدى حياة الأفراد لكنه معطى حي متطور بتغير معطيات الوجود البشري الاجتماعي عموماً. الداخل أعتبره جملة المكونات البشرية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية ضمنها الثقافية الفكرية القيمية النفسية ..الخ. والعلاقات القائمة داخل كل مكون من هذه المكونات والعلاقات المتبادلة بين هذه المكونات في إطار الجغرافية السياسية بتحولاتها الجغرافية السياسية السورية ليست مستقرة إلا منذ سبعين أو ثمانين سنة، وأيضاً يوجد فيها انتقاص في عام 1939 وانتقاص آخر في عام 1967 م ، إن جملة هذه العلاقات في إطار الصيرورة التاريخية هي التي تحدد بمحصلتها الجماعة أو القوم أو الأمة، وتميزها بالتالي عن غيرها من الجماعات والأقوام والأمم بكياناتها السياسية الاجتماعية الثقافية. هذا يجعلها تنطوي على وعي وجودها كذات متضامنة مع شعور جمعي عندها كجماعة بشرية فتنزع إلى التعبير عن نفسها سياسياً في إطار دولة أو كيان سياسي يكرس وحدتها ويعبر عن إرادتها الجمعية ومصالحها وصبواتها إلى ما تريد. ملاحظات كثيرة هامة بالنسبة للداخل السوري: إن حدود الداخل في الحالة السورية لا تقف عند الحدود الجغرافية السياسية تبعاً للتعريف السابق وهناك حالات شبيهة ولكننا نركز على الحالة السورية. مثلاً المكون الثقافي، القيمي، العقائدي هو في كثير من عناصره جزء من مساحات أوسع موجودة على المستوى العالمي مثلاً الإسلام والمسيحية بكل مذاهبهما هم داخل سوري وأيضاً خارج سوري بنفس الوقت، القومية العربية، القومية الكردية داخل سوري وخارج سوري بنفس الوقت أيضاً، الثقافة المعاصرة بطابعها العام ـ أوربية بشكل رئيسي ـ أصبحت لحد بعيد داخل سوري وهي أيضاً خارج، هذا يصدق أيضاً على عديد من العوامل الاقتصادية، داخلنا الاقتصادي هو اقتصاد مكشوف، متشابك ومترابط مع الاقتصاد الخارجي الأوربي، الأمريكي،أو الشرقي، أما الخارج فهو خلاف كل ما سبق وتحديده أكثر مرونة وأكثر تغيراً، الخارج يمكن أن يكون كياناً سياسياً، كياناً اقتصادياً ” شركة، بنك” ..الخارج يمكن أن يكون كياناً ثقافياً. إذاً مرة أخرى الداخل مفهوم تاريخي يتغير بتغير التاريخ، الخارج مفهوم له تقسيمات كثيرة وهو أشد تعقيداً من مفهوم الداخل فهناك مثلا في الحالة السورية خارج قريب ومتشابك هو الخارج العربي له أمتداته وفاعليته في الداخل وهو جزء مكون أيضاً في الداخل وهناك خارج بعيد نسبياً مثل أوربة،وبعيد جدا مثل أمريكا وأسيا، عناصر تداخل هذين القطبين البعيدين كثيراً عنا مع مكوناتنا الداخلية قليل بشكل عام هذا منظوري للداخل والخارج بالتجريد العام.
– رضوان زيادة
لتسهيل عملية الحوار هناك خلط بين مفهوم السيادة ومفهوم الداخل أنا برئي السيادة يجب أن نميز بينه وبين الداخل فالداخل مفهوم سياسي مجرد ما تقول داخل أنت اعترفت ضمناً بوجود خارج، فهل مصطلح الداخل مبرر لاستخدامه وتوظيفه سياسياً؟ وإما أنه ليس لديه معنى لا نتحدث عن المعنى القانوني للسيادة مثل ما تحدد من سنة 1948م “أن السيادة وجود جيران ووجود معطى جغرافي ووجود سيادة قانونية لدولة” هل نستطيع أن نقول مفهوم السياسة للداخل هل هو مبرر؟
– رياض سيف
الداخل هو المساحة الجغرافية ضمن الحدود المعترف بها دولياً، والمجموعات البشرية التي تعيش داخل هذه المساحة الجغرافية والتي تعتبر المالك الشرعي لكل الثروات الطبيعية والباطنية، والتي يتشكل منها النسيج الاجتماعي بكل تعبيراته السياسية والثقافية والاقتصادية، والعلاقة الناظمة لهذه المجموعات البشرية هي لشراكة تضامنية في الحقوق والواجبات.
إذا كان هذا هو الداخل فأن كل ما عداه يعتبر الخارج، وقدرة الشعوب على النمو والتطور مرهون بقدرة تفاعل الداخل مع الخارج فأي شعب مهما بلغت قدراته وإمكاناته في مختلف مجالات الحياة لا يمكن له أن يتقدم ويتطور بالشكل الطبيعي دون الانفتاح والتفاعل مع الشعوب والحضارات الأخرى، وحاجة الشعوب والدول للتفاعل مع بعضها البعض خاصة في عالم اليوم وما يشهده من تطور التكنولوجيا وثورة الاتصالات وحرية التجارة العالمية التي أوجبتها العولمة واتفاقية منظمة التجارة العالمية.
إن إلقاء نظرة على تجارب الشعوب في تفاعلها مع العالم الخارجي نرى أن إسرائيل ككيان عنصري مرفوض من كل محيطه العربي إلا أنه استطاع أن يوفر عناصر بقائه وقوته وتطوره من خلال انفتاحه على دول العالم التي وفرت له كل أسباب البقاء والتطور الاقتصادي والسياسي والعسكري، بينما نظام ككوريا الشمالية عزل شعبه ومنعه من التفاعل مع الخارج فكانت النتيجة التخلف الاقتصادي حتى ما يقارب المجاعة.
لقد أدرك الشعب السوري وقيادته الوطنية في وقت مبكر أهمية الانفتاح على الأسرة الدولية الأمر الذي مكن سورية من أن تكون عضو مؤسسا لمنظمة للأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام 1945، كما كانت من الدول الخمسة عشر التي أسست الجات وشاركت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ تأسيسه، وهذا ما كان له أن يتم لو لم تكن سوريا ديمقراطية في ذلك التاريخ من بين أربع وعشرون دولة ديمقراطية في العالم.
بينما سياسات عدم الاكتراث بالمجتمع الدولي في السنوات الماضية جعل من سورية دولة غير مؤهلة لدخول منظمة التجارة العالمية كما أنها الدولة الوحيدة التي لم تتمكن من التوقيع على اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية. ومن المؤسف أن النظام في الفترة الأخيرة يعمل على تصوير المجتمع الدولي كعدو لإلهاء الداخل السوري عما يواجهه من مصاعب وتحديات في كل مجالات الحياة
– حبيب عيسى
إضافة لما تفضلتم فيه بالنسبة للخارج والداخل والحدود بينهما في هذا العصر وبغض النظر عن العودة التاريخية لمفهوم الداخل والخارج بمعنى الانتقال من الدولة الإمبراطورية إلى الدول ذات السيادة إلى العصر الحاضر نرى أن الحدود بين الداخل والخارج أصبحت حدودا متداخلة أحيانا ومتشابكة أحيانا أخرى فلم تعد ثمة حدود ثابتة، هناك داخل يفعل بالخارج وخارج يفعل بالداخل لا أحد يستطيع أن يعيش في جزيرة معزولة ليس لها علاقة بما يحيط بها من مؤثرات سلبية كانت أو ايجابية، فالقضية الراهنة هي كيف يتعامل الداخل مع الخارج؟! نحن الآن وكقوى سياسية نقارب هذه الإشكالية من هذه الزاوية ومدى التأثر والتأثير بين القوى السياسية في الداخل والقوى السياسية في الخارج سواء كانت حاكمة أو معارضة أما إذا كان المقصود من مفهوم التحديد عن الداخل والخارج هو المفهوم العام فان ذلك يتطلب مقاربة هذه الإشكالية بشكل شامل للمفهوم القانوني والحقوقي والسيادي وهذا بحث يطول لا يسعفنا الوقت للخوض فيه الآن لهذا دعونا نحصر مقاربة هذه الإشكالية ونعالجها كمفهوم سياسي. فنقول أن هناك قوى تناضل سياسياً في الداخل من أجل التطور والتغيير إلى الأمام والتعامل مع العصر بدرجة عالية من الديناميكية للتعامل ايجابيا مع المتغيرات وهناك قوى سلبية في هذا الداخل تعمل باتجاه المعاندة ومقاومة هذا التطور لإبقاء الحال على ما هو عليه فيتخلف الواقع وتزداد الهوة بين الداخل المتخلف والخارج المتقدم وتقترب المسافة بين الواقع المتخلف والخارج المتخلف أو الأكثر تخلفا ويغدو الداخل خارج العصر وإذا اقتربنا من الواقع السوري كمثال على ذلك نجد أن هناك نظام استبدادي يحاصر المجتمع ويقمع بقسوة كافة الفعاليات الاجتماعية والسياسية والثقافية ويختصر الداخل فهو الوطن والوطن هو وبالتالي يعتبر نفسه هو الداخل كل الداخل وبالتالي يتعامل مع الداخل ومع الخارج وفق مفهوم واحد ووحيد هو استمرارية النظام أو عدم استمراريته وحتى نكمل الصورة السلبية في الداخل نلحظ وجود قوى تخلف أيضاً هي خارج النظام شكليا لكنها تتكامل معه في إغلاق دائرة التخلف هذه شاءت هذا إرادياً أم أبت فعندما لا يكون لها مفهوم واضح للعقد الاجتماعي السيادي الوطني العام للوطن وتعمل على تشتيت قوى المجتمع وإضعاف مناعته ومنع قواه الحية من النهوض بالمجتمع وحل مشكلاته فإنها تلتقي مع الاستبداد في الداخل وتلتقي في الوقت ذاته مع قوى الهيمنة الخارجية سواء كان لها ارتباط مباشر بها أم لا فهي بشكل من الأشكال كما نظام الاستبداد تعمل أيضاً لصالح بعض الخارج الذي يريد الهيمنة على الداخل من خلال مخططات تقسيم أو تجزيء أو تفتيت الوحدة الوطنية والاجتماعية في المجتمع هذا عن الداخل أما عن الخارج فان الخارج أيضاً ليس خارجا واحداً بل خارج إيجابي وخارج سلبي أيضاً فهناك قوى تريد الهيمنة على الداخل وتستفيد من العوامل السلبية في الداخل وهناك قوى إيجابية في الخارج وصلت إلى مفهوم إنساني بالغ الشفافية والتطور لذلك لا يمكن أن نتحدث عن الخارج كخارج والداخل كداخل بشكل مطلق فلا يوجد داخل مطلق ولا خارج مطلق، أي لا يمكن أن نضع ما يحدث في آسيا أو أوربا في سلة واحدة مع إستراتيجية الهيمنة المتصاعدة لدى الإدارة الأمريكية ففي أوروبا عندما يتطورون من الدول القومية إلى الدولة شبه القارية فإنهم يقتربون من مفهوم للإنسانية وللتعامل مع البشر يختلف عن نظرتهم الاستعمارية السابقة ويجب أن نتعامل مع هذا المفهوم الإنساني بشكل مختلف ولا نستطيع أن ننعزل عن هذا التطور أو أن نتجاهله خاصة وأن عصور طويلة من الاستعمار تلتها عصور طويلة أخرى من الاستبداد وضعتنا ويجب أن ندرك هذا دون مواربة خارج العصر تماما كداخل وكتعامل مع أنفسنا وكتعامل مع العالم وهذا يتطلب إعادة طرح المسألة بشكل دقيق ليس هناك عداوة دائمة ولا صداقات دائمة الداخل ليس سلبي بمجمله وكذلك ليس ايجابي بمجمله أيضاً والخارج كذلك المهم الآن هو تفعيل القوى الايجابية في الداخل وان تبرز قوى ذات مشاريع وبرامج واضحة تتكامل فيما بينها ثم تضع نفسها ضمن مشروع وطني لصالح الوطن وأن لا تكون جزءا من مشروع آخر خارجي أياً يكن وان تتعامل مع الخارج وفقا لمشروعها هي وليس وفقا لمشاريع هذا الخارج باختصار شديد أقول أن أساس الإشكالية هنا في الداخل عندما نعرف ماذا نريد ونحدده تماما سنعرف كيف نتعامل مع الخارج.
– ياسين الحاج صالح
بداية، هناك دواخل وخوارج متعددة المستويات، وغير متطابقة بالضرورة. الداخل الاقتصادي لا يطابق حتما الداخل السياسي أو الداخل الحضاري أو الداخل المعلوماتي أو الأمني.. إلخ. وكل من هذه المستويات هو شبكة تفاعلات مستقلة، تتميز بأن العلاقات فيما بينها أقوى من علاقاتها مع غيرها. غيرها هذا هو خارجها، المتعدد بدوره. الأولية إذن لنظام التفاعلات وليس للحدود بين داخل وخارج. أو، بعبارة أخرى، مقولتا الداخل والخرجحصيلتان للتحليل وليستا إطارين جاهزين له أو سابقين عليه.
وبما أننا نتحدث ضمن إشكالية الداخل / الخارج في اللحظة السورية الراهنة، فإننا نفترض أن الداخل السوري هو جملة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية إلخ بين السوريين. ويمكن أن نتكلم على داخل أكثر وداخل اقل، وفقا لكثافة وجاذبية وقوة التفاعلات هذه. ونتحدث عن داخل ضحل إذا كانت الفاعلات هذه قليلة أو اضعف من أن تعيد تشكيل المجتمع السوري ضمن نظام واحد متمايز عن غيره. فليس لسوريا داخل يماثل قوى وطاقة تشكيلية قوة الداخل التركي مثلا، وليس لفلسطين داخل يماثل داخل مصر. وليس لأي بلد عربي داخل يقارب عمق وجاذبية الداخل الأميركي. وكما كان داخل بلد معين أضعف واشد ضحالة كان تأثير الخارج عليه اكبر. فليس تأثير الخارج على أميركا مثله على العراق، وعلى فلسطين مثله على إسرائيل. أي انه ليس هناك جدلية داخل خارج متماثلة مع ذاتها في كل مكان وفي كل الأوقات. ولذلك تخفي وقائع الاستقلال السياسي تفاوت الاستقلال الحقيقي بين الدول، أي تفوق نظام تفاعلاتها الداخلية على تفاعلاتها مع غيره. والبلدان التي تتميز بعمق دواخلها وغناها هي أقدر على الانفتاح والتفاعل مع غيرها، وهي التي يفضي انفتاحها هذا إلى مزيد من العمق والجاذبية في نظمها الذاتية. لذلك، أي وضعف التفاعلات الداخلية في معظم البلدان العربية هو الذي يفسر أن حدودها معرضة للانخساف أو الانهيار نحو الدخل وليس نحو الخارج. فهيتبدو اليوم اصغر من حدودها، مثل من يرتدي ثوباً واسعاً، خلافاً للبلدان الغربية. أما أميركا فتفيض نحو الخارج. ولذلك فهي تجاور كل دول العالم (اقتصادياً ومعلوماتياً واستراتيجياً) وليست، من منظور ديناميكي “خارجا بعيدا عنا” كما تحدث الدكتور عبد العزيز. فهي تجاورنا أكثر مما تجاورنا لبنان والعراق.. بينما سوريا بالكاد تجاور محيطها الجغرافي. ورأيي أن جملة الديناميكيات والتفاعلات الخاصة ببلداننا لا تدفع نحو توسع واندماج وانفتاح ولكن نحو التجزؤ والانقسام والتفتت والانهيار. فلدينا انفصال بين الديناميكيات والأطر السياسية التي فرضت خارجياً وبين الديناميكية الحضارية الاقتصادية والمؤسسية البانية للداخل و”المؤثثة” له. ولذلك تحاول السلطات التعويض عن ضعف التجاذب الداخلي بالقسر، أي بالقطع المصطنع لأية تفاعلات لا تسيطر هي عليها، قد تنشأ بين قطاعات من مواطنيها وبين العالم.
– رضوان زيادة
أنا أود أن أضيف شيء عن مفهومي الداخل والخارج بتاريخية طرح هذه الثنائية، نشاهد أن المجتمعات أو الأنظمة السياسية التي تطرح ثنائية الداخل والخارج عندما يكون الداخل في أزمة أو بتعبير أكثر دقة، الدول التي لا داخل لها، بمعنى القدرة على صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي باستقلالية مفرزة تطرح ثنائية الداخل والخارج لنمط توظيف الداخل نحو إعادة إنتاج الاستبدادية يعني السلطة الوطنية الفلسطينية التي هي محاطة بنمط احتلال قاسي وهمجي تعتمد في رواتب موظفيها على مساعدات مالية أوروبية وأمريكية على موظفيها وبالتالي بالنسبة للسلطة الوطنية ليس هناك داخل حتى بالمعنى المادي الذي هو قدرة الدولة على أن تدفع رواتب موظفيها وهذا ليس تعبير سياسي وإنما تعبير إعاشي ريعي وبالتالي مما يشعر النظام السياسي أن الداخل لديه أزمة يطرح مسألة الداخل والخارج وأنا هنا أميز بين مفهوم الداخل والسيادة، السيادة هو مفهوم قانوني تبلور تاريخياً عام1948م وبعده ومع سقوط الاتحاد السوفيتي 1990 يطرح للنظر من جديد بمعنى أنه مع بروز العولمة والتشابكات التقنية الكبيرة وهذا الذي أصبحوا يسموه تغير دور الدولة ووظائفها وأنماط عملها وبالتالي أن الداخل مصطلح سياسي قابل للتوظيف أكثر من أنه مصلحة قابل للتمحيص والدراسة.
– عبد العزيز الخير
الداخل هو مفهوم اجتماعي تاريخي وليس بالضروره هو مفهوم سياسي حصري هو معطى موضوعي في جماعة بشرية لها داخل ما، تعتبر نفسها ذات وتنظر إلى الآخر بصفته آخر … مختلف. ويمكن أن تكون هذه الجماعة قبيلة أو إقليم أو كيان سياسي .
– مشيل كيلو
المقصود يا أستاذ عبد العزيز الداخل في الحالة الراهنة.
ـ عبد العزيز الخير
سوف ننفذ إليها من خلال الأسئلة اللاحقة لأننا سوف نتحدث عن الوطنية والسيادة الوطنية ومقومات السيادة الوطنية واضح أنه يوجد مقاربة لمفهومين مختلفين هما متقاربين كثيراً أحدهما يبنى على الآخر وليس هما الشيء نفسه.
ميشيل كيلو
أنا قمت بمقاربة تقنية بمعنى يرمي إلى تحديد إطار الداخل البراني، لأنه عندما نتحدث عن ظاهرة كل عنصر من عناصرها يمكن إضفاء طابع نسبي عليه، ويجب أن نراها في علاقاتها مع غيرها، أي مع الخارج، الذي كثيرا ما يكون نقيضها، خاصة حين يكون الداخل في أزمة، كما قال رضوان، يكون علينا توسيع التعريف والفهم وتنويعه وتجريده. وعلى سبيل المثال، هناك أمثلة كثيرة تؤكد أن الداخل لم يستطيع حل أزماته بقوة خصوصياته ولحمته الخاصة، بل بعون الخارج، الذي أتاح له حواضن لحلها وأرشده إلى سبل حلها وزوده بالقدرات المادية الضرورية لذلك. عندما تقول إن الداخل لا يتطابق مع حدود الدولة كما قال ياسين، فهذا الكلام صحيح. ولكن لا يكون هناك داخل أصلا إذا لم يكن هناك جهة ما مسؤولة عن هذا الداخل، هي الجهة صاحبة السلطة والقرار. هذه الجهة، وبغض النظر عن الإطار العام الذي تعمل فيه ونوعه وطبيعته، يجب أن تكون مسئولة عن الوضع الذي وصل إليه الداخل، ومسؤولة أمام شعب الداخل، تدير بقوة القانون أو الإكراه مجالا تفاعليا تشكل تاريخيا،ً له تعبير سيادي وتعبير سياسي خاص به، مرجعيته تكوينات وتشكيلات وطنية، لكنه متداخل بقوة مع عمقه العربي والإسلامي والدولي.
– ناصر الغزالي
هل محدد السيادة الوطنية أو الوطنية ما زال له نفس المكونات السابقة وإذا طرأ شيء جديد ما هو هذا الجديد؟ هناك فكرة عما كان يطرح عن الوطنية سابقاً وحالياً أو السيادة الوطنية كانت عبارة عن حيز جغرافي تاريخي أصبحت لكثير حالياً بسبب الظروف الدولية عبارة عن علاقات اقتصادية واجتماعية وعقد اجتماعي ومصالح مشتركة. هل ما زالت فكرة السيادة الوطنية والوطنية نفس الفكرة السابقة أم تغيرت حسب التطورات الموجودة حالياً؟
– عبد العزيز الخير
الوطنية هي الارتباط بالهوية الاجتماعية الثقافية السياسية والمصالح المنبثقة عنها وخدمتها لحمايتها وتطويرها وفق مسار مطلوب من الأمة أو الجماعة المعنية لتعزيز هذا الوجود وإعادة إنتاجه في سياق تاريخي. السيادة الوطنية أفهمها على النحو التالي هي سيطرة الجماعة ( قوم أو أمة أودولة ) على مقومات وجودها، أيضاً في سياق تطوره مما يمكنها من حماية هذا الوجود الاقتصادي السياسي والثقافي والعسكري ويوفر لها القدرة على الحفاظ على ما تشعر أنه هويتها وما ترى أنه ضروري لتحقيق ذلك ،الجديد في هذا الموضوع كثير جداً حقيقة هذا المفهوم يخضع لتغيرات كبيرة جداً بشكل خاص خلال الخمسة عشرة سنة الأخيرة، أولاً: فهم الهوية الوطنية والشعور بالهوية الوطنية يتغير نحو اضمحلال كثير من العناصر الخصوصية المميزة للجماعات البشرية في ظل التطور الهائل للإعلام ووسائل الاتصال والعولمة وبالتالي الثقافة.
ثانياً: مقومات السيادة الاقتصادية المعروفة قديماً تتراجع لصالح اختراق الإقتصادات القومية العملاقة كأمريكة واليابان والصين والشركات العالمية العملاقة للاقتصادات الأخرى وسيطرتها على مفاتيح عمليات الإنتاج والاستهلاك للكيانات الاقتصادية الأصغر وانكشاف اقتصادات الدول الصغيرة والحاقها التام بالكيانات الكبرى هو المحور الرئيسي للعولمة.
ثالثاً: التدهور الشديد لإمكانات الحماية العسكرية للسيادة عند الدول الصغرى مع الاختلال الهائل لموازين القوى بينها وبين القوى العظمى المسيطرة ولا سيما الأمريكية والتي تزداد عدوانية مع مرور الوقت.
رابعاً: مع تنامي العولمة بمختلف وجوهها ومكوناتها تتلاشى خطوة فخطوة القدرات السياسية للكيانات الصغرى لحماية سيادتها السياسية على أرضها واقتصادها وثقافتها على سائر العناصر التي تصيغ وجودها وتحدده . بتعبير اجمالي المجتمع البشري ككل بكل مكوناته يسير ويتطور نحو تذويب الكثير من الخصوصيات الوطنية وبالتالي نحو تأكل الكثير من عناصر السياده الوطنية التي توافق عليها البشر على مدى مئات السنين سابقاً. وآخرها هو محاولة قنونة حركة رأس المال على المستوى العالمي بحرية تامة، وحركة البضائع على مستوى العالم الأمر الذي يقوض تماماً مفهوم السيادة الاقتصادية لدولة ما على كيانها السياسي. أضف له التطور الثقافي الذي ينمط الثقافة البشرية على مستوى العالم الذي يأكل ويذوب الخصوصيات الموجوده عند الأمم والتي كانت معزولة سابقاً. بالمعنى النسبي يقترب البشر نحو مفاهيم متقاربة أو موحدة ” لباس موحد، أنماط طعام موحدة ” تنميط بمعنى الكلمة بهذه الطريقة، وأخيرا مفهوم السيادة الوطنية ومفهوم الوطنية يخضع لتحول سريع، بالتأكيد هناك عناصر مقاومه لهذا التحول بعضها هو وليد النزعه المحافظة نستطيع القول أن هناك أناس لا يحبذون التغيير رغم أنه قد يكون نحو الافضل، وبعضها الأخر هو نوع من الدفاع عن مايشعر البشر أنه ذات، أنه محدد لوجودهم وكيانهم سواء فكرياً أو ثقافياً أو قيمياً أو غير ذلك، يوجد عناصر مختلطه بعوامل ممانعة هذه العولمة. بالتأكيد أن السيادة الوطنية أبداً لم يعد لها نفس المفهوم الذي كان قبل عقدين من الزمن اليوم تغير الموضوع كثيراً.
– مشيل كيلو
ما قاله عبد العزيز الخير مهم جداً، كلنا نتحدث معقبين على نص فيه جانبين مهمين لمسألة السيادة، الأول هو أن السيادة لم تعد مجرد مسألة داخلية وحسب، وحتى في الدول الأكثر عزلة أو قوة تصبح السيادة أكثر وظيفية، وتصير مهمة هذه الوظيفية تدبر شأن جهة معينة هي الذات ضمن عالم لا يمكنها من تدبر فرصها بمفردها. وللعلم، فإن في أفريقيا وغيرها من القارات بلدان تتمنى عودة الاستعمار كي تتدبر شؤونها، ولو أخذنا الجزائر كمثال، لوجدنا أنه بين الثورة والاستقلال كان الجزائريون يرفضون الجنسية الفرنسية والهوية الفرنسية وأنهم أجبروا فرنسا على الخروج من وطنهم قوة السلاح، لكننا نجد اليوم عمالا جزائريين في فرنسا يغامرون بحياتهم من أجل الذهاب إى فرنسا، وأنهم يعيشون فيها دون إذن إقامة ويعملون في ظروف قاسية بأمل الحصول على فرصة عمل مهما كانت طبيعتها وتكاليفها. وليس استقبال الرئيس الفرنسي في وهران بحفاوة كبيرة من قبل الجزائريين – أستقبله مليون إنسان علماً أن الثورة انطلقت منها – غير أمر يؤكد التحول الذي طرأ على الشعب الجزائري. هناك، في رأي أمر يبرز أكثر فأكثر هو مسألة الوظيفية في تعريف السيادة، التي تتخطى المقومات التقليدية، وأعني بالوظيفية ليس فقط التعبير عن الوطنية، وإنما سبل وكيفيات إدارة شأن عام له علاقة بجماعة سياسية أو جماعة بشرية.
ثانياً: ليست التبدلات الداخلية من طبيعة سيادية بالضرورة، لأن التعبير الوظيفي لا يطرح دوما مسألة الهوية أو التعبير عنها. هناك، في مسألة الهوية اتجاهان : اتجاه نحو اضمحلال الهويات القديمة وآخر يفضي إلى إحيائها، وإعادة أنتاجها في إطار العصر الذي نعيش فيه. وحتى في الدول المتقدمة يوجد ميل كبير لإعادة إنتاج الهويات التقليدية عبر إحياء تكوينات ما قبل حديثة. وكما في معركة الغرب مع الإسلام والإسلام مع الغرب، هناك أيضا تبدل يصيب معنى السيادة في الداخل، لأننا هنا أمام وظيفية تبدل وظيفة الدولة التي أصبحت منفتحة على الخارج ومتداخلة معه، رغم أنه أصبح للسيادة معنى محددا في نظر بعض حملتها الاجتماعيين هو معنى الهوية، وصار لها، بهذا المعنى وظيفة ثانية غير وظيفة التعبير عن خصوصيات جماعة معينة، هي وظيفة المواجهة مع العالم، والانفراز عن العالم والاختلاف معه وعنه. ربما كان هذا المعنى مضمرا، حين أخذنا الاستقلال، الذي فرقنا عن الأخر وجعلنا غير قادرين على الخضوع له، لأننا نريد التعبير عن أنفسنا بأدواتنا وهويتنا. وبالرغم من فشل تجربة الاستقلال في بناء شيء ينتمي إلى العالم المعاصر، يبدو اليوم أن هناك أشكالا أخرى للتعبير عن الرغبة والنزوع الخاص، الذي هو النزوع السيادي، تأخذ شكل عودة ذات بعد واحد إلى مسألة الهوية وإلى التركيز والتأكيد عليها. لقد تغير العالم خلال الثلاثين سنة الأخيرة، ولا شك في أن تغيره يحدد الأطر العامة للتبدلات التي تحدث في الهويات القائمة، ويعين صراعها الذي هو في النهاية يأخذ شكل صراع سيادات يبدل مفهومها، ليس بالمعنى الذي يريده الغرب، وإنما بمعنى معاكس للمعنى الغربي الحديث.
– رضوان زيادة
نحن إذا عدنا إلى نمط تحيدي المفاهيم لأن تحديدها هو مدخل لإعادة تنظيم النقاش، طرح حتى الآن عدد كبير من المفاهيم الداخل، الخارج، الهوية، الوطنية، السيادة الوطنية، ولما تحدثت عن هذه المفاهيم على أنها مفاهيم سياسية هذا لا يعني أنها مفاهيم هلامية، في هذه الحالة ممكن الحصول على توافق إلى إعادة تعريف أو تحديد لهذه المفاهيم ولكن يتطلب هذا جملة من الإجراءات أولها نقاش بين مكونات شرائح المجتمع لتحديد مفهوم الداخل ولتحديد مامعنى الوطنية قبل إجراء وفتح نقاش عمومي واسع حول هذه المفاهيم، يصبح الاستخدام أو التوظيف السياسي هو الشائع لهذه المفاهيم وبالتالي أنا أكون أكثر تفضيلاً لسحبها من التداول في النقاش السياسي العام لأن تخص استثمارات سياسية خاصة لجماعة سياسية أيديولوجية بعينها، أما مفاهيم الهوية برأي هو مفهوم ثقافي يتم استثماره سياسياً، وإذا شاهدنا طريقة تقديم رؤساء بعض الدول الإفريقية يشترط نمط تقليد مناصب السياسة لهم الذي هو منصب مدني حديث، مفهوم رئيس الدولة مفهوم تبلور غربياً مع مفاهيم الدولة عندما تناط مناصب تقليد الرئاسة بالعودة إلى نمط من التقاليد القديمة” من خلال اللباس ومكان التواجد وهذا نمط من أنماط أاستثمار الهوية ذات المرجعية الثقافية والتاريخية بالمتخيلات الجمعية للمجتمعات لإعادة تأسيس المشروعية الحديثة ” وهذا ما يسميه بندكت اندرسون وهو أشهر من درس مفهوم الهوية المتخيلة لدى المجتمعات في أفريقيا وأسيا، المجتمعات تعيد أنتاج هويتها، أنا لست مع أو ضد مفهوم الهوية لكن شرط أن لا أحصره في خطاب ماضوي، الهوية لم تتشكل تاريخياً وأنجزت وعلينا إعادة بنائها من جديد، لم تتشكل هوية المجتمعات العربية التاريخية خلال القرون الأولى للإسلام وهي هوية ناصعة وبيضاء وعينا إعادتها الآن في الوقت الحاضر، لا الهوية صيرورة تاريخية بقدر تخيل نمط أفكارك، علاقاتك، وصيرورتك الاجتماعية وتأثيراتها السياسية هذا بالضبط المقصود، وما هو الجديد الذي يمكن أن تضيفه نقاشنا وحوارنا على مفهوم السيادة الوطنية إذا استطعنا أن نضيف لها تكوينات ثقافية وسياسية أخرى.
– ناصر الغزالي
لدي تعقيب على الأستاذ مشيل حول الهوية، إذ في الآونة الأخيرة في أوربة أزداد الأوربيين تشبثاً بهوتهم، إذا ما قرانا ذلك قبل الخمسة عشر سنة الماضية وذلك من خلال قبولهم للوحدة الأوربية وتشكيل برلمان أوربي موحد، ولكن الآن هناك ردة حقيقية للهوية من خلال تشبثهم بهويتهم إذ أزداد الفرنسي فرنسية والسويدي سويدية، من هنا جاءت ردة فعلهم السلبية في الانتخابات الأخيرة حول الوحدة الأوربية. فما رأيك في هذه الردة ؟
– مشيل كيلو
بسبب أن الهوية أصبحت حامل مشروع سياسي في الداخل.
– عبد العزيز الخير
إن كل جديد هو وليد فعل ما وطبيعي أن يشكل ردة فعل، أي الكيفية التي يأتي بها الجديد والمحتوى الذي يأتي به الجديد ليس بالضرورة أن يلقى قبولاً مباشراً بالنسبة للجمهور العام وهذا الجمهور عندما يشعر أن هذا الجديد اعتداء على هويته أو أخل بشروط وجوده يمن أن يقوم بردة فعل معينه يمكن أن تكون إنسحابية أو إنغلاقية. الجديد يدفع باتجاه فتح الحدود وتوليد هوية أوربية مشتركة أو تأسيس هوية جديدة للمستقبل، فبالنسبة للسويديين والفرنسيين أو غيرهم إن هذا الإجراء مستعجل وهذا يهدد فهمهم لذاتهم وإحساسهم بذاتهم ويقوض شعورهم بالسيادة، البعض يفكر أن يكون قراره فرنسياً ضمن حدوده الفرنسية وضمن الدولة الفرنسية والبعض يشعر على المستوى الاقتصادي بما يهدده فيواجه هذا المشروع الجديد بردود فعل مفهومه جداً. وحركة التاريخ لا تسير بخط مستقيم. في مد وجزر يتقدم المشروع الأوربي بخطوات تواجهه جماعات بردة الفعل فيتراجع بخطوات لكن هناك صيرورة ومحصلة معينه بين الفعل وردة الفعل .
– ناصر الغزالي
أستاذ عبد العزيز الذي يقدم هذا الجديد يزداد انغلاق على هويته وأعني الولايات المتحدة الأميركية بمعنى أن الأميركي ازداد أمريكيةً.
– عبد العزيز الخير
أمريكا وضع خاص، الشعور الوطني في أميركا تاريخياً عالٍ، هناك دراسات تاريخية تدل أن الأميريكان لديهم شعور وطني عالٍ جداً يمكن أن يكون عائداً لتكونهم التاريخي، بعزلتهم الجغرافية بين المحيطين ولعدم تعرضهم لأي احتلال وعدم تأثرهم بالعالم الخارجي، فهم أقل الدول تأثراً بباقي شعوب العالم.
– ناصر الغزالي
برأيك هل هذا يفسر شعور الأميركي على أنه سيد العالم؟
– عبد العزيز الخير
جزء أساسي من محتوى ثقافتهم أنهم هم الأرقى والأفضل والأقوى والأحق، وهم يشعرون بأنهم يملكون مقومات ومستلزمات فرض مصالحهم وأفكارهم على البشرية.
– رضوان زيادة
لكن القارئ لكتاب همنغتون الجديد “من نحن” وهو سجال في الهوية الأميركية يخلص إلى أنه لا توجد هوية أمريكية متبلورة تاريخياً، فمشكلة السياسة الأميركية الخارجية أنها ليست محل نقاش داخلي وهذا ما عبر عنه كيسنجر، وأنه سوف تتوقف امبريالية الولايات المتحدة وسياستها الخارجية عندما تصبح محل نقاش في الداخل، وطالما أن المواطن الأميركي يسلم إداراته، السياسة الخارجية تستطيع أن تصنع ما تشاء ولا يوجد نقاش حول خياراتها ولا حول أولوياتها في السياسة، في المناطق وفي اختياراتها، بالتالي يبقى نمط الهيمنة على العالم دائم في السياسة الخارجية، لكن عندما ينقسم الداخل الأمريكي نحو تهديدات وانقسامات وتيارات تكون نتائجه كما حصل أثناء الحرب الفيتنامية تصبح السياسة الخارجية محل نقاش وتداول وبالتالي لا أعتقد وجود هوية أمريكية ناضجة أو مكتملة.
– رياض سيف
السيادة الوطنية كمفهوم سياسي كرس فيما بعد الحرب العالمية الثانية وانحسار الاستعمار بأشكاله القديمة أكدته الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة وقد أثبتت التجارب التاريخية في النصف الثاني من القرن الماضي أن الشعوب التي انتهجت النظام الديمقراطي استطاعت أن تفرض سيادتها على الأسرة الدولية بينما الشعوب التي ابتليت بالأنظمة الشمولية وكذلك التي ابتليت بالأنظمة الاستبدادية انتقصت سيادتها الوطنية إلى حد كبير وكثيراً ما أدى ذلك إلى تفتتها كما حدث للاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، أو عمها الفوضى والحروب الأهلية كالصومال والجزائر ويوغوسلافيا وأفغانستان، وإن تجربة الشعب العراقي المريرة التي جلبت الأحتلالوالدمار والفوضى لخير مثال على ما أقول. علماً أن القائمين على تلك الأنظمة كانوا يتسترون تحت شعارات السيادة والوطنية.
وفي سورية من المؤسف أن نرى فقدان الشعب لسيادته وامتلاكه لحريته حيث تتحكم الأجهزة الأمنية بشكل كامل بكل تفاصيل حياته اليومية والمعيشية فتحول الشعب إلى مجموعة من الأقنان لا تملك من مصيرها شيء.
ولتعمية النظام على هذا الوضع الغير طبيعي من فقدان الشعب لسيادته، فإن النظام يحاول الهروب من مواجهة هذا الواقع الأليم بتضليل الشعب السوري بطرح شعار الوطنية الذي اختزله بضرورة الحفاظ على رموز النظام.
إن مفهوم الوطنية يمكن أن يؤخذ بشكله الايجابي في ظل النظام الديمقراطي حيث يشحن هذا النظام الهمم ويوحد المشاعر والأهداف بما يمكن الشعب من تحقيق انجازات كبيرة وليس أدل على ذلك مما أنجزه الشعب السوري في الخمسينات في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية، كما أن الحس الوطني تجلى بأبهى صوره في تفاعل الشعب السوري في ما سمي بأسبوع التسلح في الخمسينات حيث قدم هذا الشعب كل غال ونفيس وكان الجميع فقراء وأغنياء سواء حيث تبارى الجميع في التفاني لبناء جيش وطني قوي.
هذه هي الوطنية الحقيقة أما استغلال النظام للمشاعر والأحاسيس بطريقة تصور الوطنية على أنها دفاع عن النفس في مواجهة عدو وهمي هو الأسرة الدولية فان هذه النزعات الشوفينية لن تجلب للشعب السوري إلا الدمار والتخلف وتخليد الاستبداد. وعلى هذا أتمنى أن نبتعد عن التعصب الأعمى والعداء للآخر في الخارج تحت شعارات الوطنية الموجهة خدمة لمصلحة استمرار النظام القائم. كما لابد أن نأخذ بعين الاعتبار التطور الايجابي لشرعة حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني التي انتشرت في جميع أنحاء العالم فأصبحت هوية وطنية إنسانية عابرة لحدود الوطن، وهذا لا يتعارض إطلاقاً مع مفهوم الأصالة والانتماء المعبر عن الروح الوطنية لدى الشعوب.
– حبيب عيسى
مفهوم السيادة من الناحية القانونية نشأ حقيقة منذ فترة طويلة لكنه كان يرتبط بداية بسيادة الحاكم بمعنى أن سيادة الوطن مرتبطة بسيادة الحاكم وبالتالي كانت الإمبراطوريات تمتد بقدر ما يستطيع الحاكم أن يرسل جيوشه وبالتالي سيادته كانت تمتد لمكان وصول حوافر خيله أو دباباته في العصر الحديث الآن ومنذ القرن السابع عشر أو الثامن عشر وما بعد بدأت تتشكل الدول الحديثة بمعنى الاختصاص بأرض محددة بحدود واضحة ومعترف بها من الجوار ومن المجتمع الدولي وبناء على ذلك بدأت سيادة الدول تأخذ مفهوما جديدا يرتبط بسيادة الدولة على وطن محدد وتمتد هذه السيادة لتشمل المياه الإقليمية والمجال الجوي وتمتد هذه السيادة على مواطني الدولة ولو كانوا في دول أخرى وانتقل مفهوم السيادة من سيادة الحاكم إلى سيادة الأمة أو الشعب خاصة بعد ما بدأت الديمقراطيات الغربية بشكل خاص. إذا غادرنا هذا السياق التاريخي وصولاً إلى الوقت الراهن نجد أنفسنا أمام دول ذات سيادة إشكالية ناتجة عن أسباب كامنة في أساس تكوينها فعندما انتقل العالم من عصبة الأمم المتحدة إلى هيئة الأمم المتحدة كان الميثاق يقول بحق الأمم في تقرير مصيرها ثم لما بدأت الدول الاستعمارية تعطي استقلاليات خاصة في إفريقيا وآسيا وخاصةً في الوطن العربي وفق معاهدات بين الدول المستعمرة وليس وفق حدود الأمم التي لها الحق في تقرير مصيرها وإنما وفق تقسيمات هي التي اختارتها وهي التي صنعتها، عادت عن مفهوم حق الأمم في تقرير مصيرها إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها وبالتالي انتقلنا نحن حتى في هذا المفهوم من حق الأمم بإقامة دول وفق حدودها الوطنية إلى دُول تُصنع من الألف إلى الياء في الخارج وتختص بجزء من شعب الأمة وبجزء من وطنها نحن الآن في هذه المرحلة في الوطن العربي وفي سوريا بشكل خاص نحن شعب تشكل من أجل دولة شُكلَت وفق اتفاقيات سايكس بيكو. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مفهوم السيادة في العصر الحديث تطور أيضا حيث لم يعد بالإمكان حصره وفق مفهوم الجغرافية والتاريخ بل أصبح مفهوم مفتوح، هناك شركات متعددة الجنسيات وأساطيل قارية وقوى دولية وعولمة كلها ذات صلة بموضوع السيادة وبالتالي الكلام عن السيادة أصبح بحاجة إلى إعادة نظر الإشكالية المعاصرة هي كيف تستطيع أنت الآن أن تقيم وطن بشكل من الأشكال ليس تحت الهيمنة أن يكون له مشروع ضمن هذا العالم ضمن هذا العصر يعني أن تكون أنت جزء تفاوَض لتحقيق مشروعك الوطني وليس جزء يُملى عليه، كل شيء من الخارج. النظم في الوطن العربي الآن هي نظم بشكل من الأشكال خارج أي من مفهوم السيادة والوطنية أنا بتصوري منذ خمسين سنة حتى الآن وهذه النظم تعتمد على عنصر أساسي هو ليس التعامل مع الخارج وإنما العمل لخدمة هذا الخارج فهي تستمد قوتها من أن تُقبل خارجياً أما علاقتها مع الداخل فتقوم على أساس صفقة مع الخارج حدها الأساسي أن فقط اتركوا لنا هذا الداخل فهم عبيدنا نصنع بهم ما نريد، وهكذا تصبح السيادة الوطنية موضوع صفقة بين نظم الاستبداد وبين الخارج فالسيادة الوطنية بنظر نظم الاستبدادلاتتهدد إلا إذا تدخل أحد وسأل مجرد سؤال عن الحريات العامة أو عن موضوع حقوق الإنسان أ وموضوع تحسين الحالة المعيشية للشعب عند ذلك فقط تصبح السيادة الوطنية مهددة أما إذا وضع المستبدون كل إمكانية الوطن من اقتصادية وثقافية وعسكرية بخدمة أي مشروع خارجي فإن هذا بنظرهم لا ينتهك السيادة. لهذا كله يجب علينا كقوى وطنية في سورية أن نحدد مفهوم بالغ الدقة للسيادة “سيادة الوطن، سيادة الشعب” وليس سيادة الحكام والمسيطرين على الواقع. إن الاستبداد ينتهك سيادة الشعب على وطنه كما العدوان الخارجي تماماً.
– ياسين الحاج صالح
أريد أن أرجع للخلف. أنا أعتقد أن هناك تراجعاً في سيادة الدولة في كافة أنحاء العالم. وهذا وجه أساسي في العولمة. إذ يتكون مجال اقتصادي ومالي ومعلوماتي لا تستطيع أي دولة السيطرة عليه، حتى الولايات المتحدة، وإن كانت تحتل موقع ممتاز للاستفادة من جملة التفاعلات التي نطلق عليها العولمة، والتي تتكون من حركة منتهكة لحدود الدول والثقافات لكل من رؤوس الأموال وحركة المعلومات مع تكون نويات مجتمع مدني عالمي ومعايير حقوق شاملة وغير ذلك. ليس هناك دولة في العالم تسيطر على سبيل المثال على “تدفق المعلومات”. هناك دول أوقى تحكماً بهذا التدفق من غيرها، ولكن ليس هناك دولة سيدة في هذا المجال. ولا يوجد دولة سيدة تجاه الأوبئة ومعفية من الأوبئة كالإيدز أو إنفلونزا الطيور.. ومجالات تآكل سيادة الدولة تتزايد في هذا الشأن. هناك رسام في الدانمرك رسم صور كاريكاتيرية، فبدأت المشاكل من جاكرتا إلى إسلام أباد إلى دمشق إلى بيروت.. ولا يحق لأحد أن يكتفي بالقول: أنا ملتزم بقوانين بلدي، كي يعفي نفسه من مسؤولية التسبب بمشكله عالمية، وإذاً لينا عالم يزداد تداخلاً وتفاعلا، وإطار مفهوم الدولة السيدة أو النظام الوستفالي الذي تبلور عام 1648 في أوربا وقرر أنم الناس على دين ملوكهم وأرسى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية آخذ بالتفجر منذ نهاية الحرب الباردة على يدي العولمة التي لا تكف عن محو الحدود بين الداخل والخارج، ما يعني تكييف الأطر السياسية للعمليات الاقتصادية والإنتاجية. هذا الإطار الذي عُمّم بعد الحرب العالمية الثانية، وعرضت فيه الدول تكافئها السيادي الشكلي عبر عضويتها في الأمم المتحدة.. هناك 200 دولة الآن تقريبا متساوية في السيادة في الشكل والإطار، لكن واقعياً ليس هناك تكافؤ على الإطلاق، فأكثر الدول كانت منقوصة السيادة، واليوم تزداد سيادتها تراجعا. وبالمقابل تتكون سيادة عليا، إمبراطورية، هي السيادة الأمريكية. هناك تحويل للسيادة وبروز سيادة عليا مقررة لشؤون العالم بشكل متزايد، وهذا هو الوجه السياسي لديناميكية العولمة في رأيي.
اليوم، العالم يزداد كروية على المستوى الاقتصاد والمعلومات ولا يزال منبسطاً على المستوى الثقافي والسياسي. عالم غاليلي من ناحية، أي بلا سيادة وبلا حدود وبلا شرق وغرب وبلا مركز.. وعالم بطليموسي من ناحية ثانية: لا يزال منبسطا، لا يزال هناك ثقافات متمايزة مستقلة لديها هويات حريصة على ذاتياتها بغض النظر عن العمليات الموضوعية.. حريصة على تمايزها واختلافها عن غيرها.
تآكل السيادة لا يؤدي بالضرورة إلى مكسب للديمقراطية العالمية، بمعنى يمكن أن يكون هناك تآكل لسيادة الدول مثلما يحدث عندنا وبعض دول العالم الأخرى، ويؤدي إلى نزاعات أهلية وليس إلى تنامي حقوق المجتمعات والإنسان. ذلك أن تحويل السيادة لا يجري لصالح إطار سيادي عالمي أسمى. هناك حاجة لتكون سيادة جديدة مستقلة عن إطار التفاعلات الدولية التقليدي (الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية)، مستقل أيضا عن التحول الإمبراطوري للولايات المتحدة. أي نظام ما بعد الأمم المتحدة يملك سلطة سيادية: سيادة عليا عالمية ودستورية. ربما تكوّن هذا الإطار يجعل تحولات السيادة التي نراها حالياً موجهة باتجاه الديمقراطية وليس باتجاه الفوضى والحروب الأهلية.
– ناصر الغزالي
ماهي الملامح الأساسية للمجتمع السوري؟ وهل هناك إمكانيات لدخول عناصر جديدة فاعلة؟ وما مدى تأثيرها على تطور المجتمع أو تحسين شروطه؟.
– حبيب عيسى
الملامح الأساسية الراهنة للمجتمع العربي السوري تدعو للقلق، فأنا مع مقولة أن الاستبداد يدمر ملامح الوطن يدمر هويته ويدمر وحدته الوطنية وتركيبته الاجتماعية وهو العامل الأساسي الأول في إبادة الحضارة. الآن وبعد أربعين سنة من الاستبداد في سورية نرى أن المجتمع يعاني من مخاطر حقيقية تهدد وحدته الوطنية وهويته وتكوينه الاجتماعي واقتصاده وثقافته وتهدد حياتنا كبشر لأن الاستبداد ليس فقط كنظام حكم وإنما كفعل في الواقع يحول البشر إلى مخلوقات خائفة عاجزة ومحبطة ويائسة ومستسلمة يتضح ذلك عندما ترى نظم الاستبداد تسير المسيرات بغير إرادة الشعب وبطرق لا إنسانية يصبح الشعب خارج العقل خارج العصر هذه الملامح رغم قسوتها أنا لست متشائم أنا أقول أن الشعب في سورية هو شعب حيوي قادر على أن يستعيد ذاته ونفسه لكنه بحاجة إلى أن يتجاوز عتبة الخوف ما أراه الآن هناك إرهاصات على هذا الطريق بمعنى أننا أمام قوة سياسية تشكلت بعد الاستقلال كان هناك كتلة وطنية في سوريا هي التي حمت وحدة البلاد حتى الجغرافية عندما أراد الاستعمار الفرنسي تقسيمها إلى خمس دول طائفية علوية ودرزية وشام وحلب ولبنان، حتى لبنان كان جزء من اللعبة، فما سمي بالكتلة الوطنية في ذلك الوقت والتكافل الاجتماعي الذي حصل بين جميع مكونات الشعب في سوريا من إبراهيم هنانو الذي لا يعرف شعبنا أنه كان كردياً أو غير كردياً حتى هذه اللحظة إلى سلطان باشا الأطرش وصالح العلي إلى الأشمر إلى جميع المناضلين في سوريا الذين قاتلوا ليس من أجل الحفاظ على دولة صنعها مخطط سايكس بيكو بل حتى لا تتفتت أكثر. الآن بعد فترة الاستقلال جاء عصر الانقلابات والاستبداد وتوريط الأحزاب الإيديولوجية, هذه الايدولوجيا رغم عالميتها أي نحن لسنا أمام أحزاب أيديولوجية بالمعنى التجزيء على العكس نحن أمام شيوعيين يريدون توحيد العالم أمام إسلاميين يريدون توحيد العالم الإسلامي أمام قوميين عرب يريدون توحيد الأمة العربية ولكن على الصعيد البنيوي وعلى صعيد الفعل تحولوا إلى حركات إما هامشية والذي وصل إلى السلطة منها تحول إلى أداة بيد المستبدين إلى حزب يسيطر المستبدون بواسطته على مكونات الوطن وعلى الجميع أن يخدم وإلا…… وأعتقد أن النظام الاستبدادي وصل إلى مرحلة قد يكون قاب قوسين أو أدنى بأنه إما أن يتجاوز نفسه أو يجب تجاوزه، لم يعد يحتمل في هذا العصر أن تبقى هذه الصيغة من التعامل بين البشر سائدة، يجب أن يحدث التغير وإلا لابد من التغيير وبالتالي لابد من الجديد، لأن فترة الاستبداد السابقة أنهكت القوى السياسية والأحزاب ووضعتها خارج الفعل الحقيقي ومع احترامي لكل من يعمل بالسياسة وكوادرها ومناضليها الذين دفعوا أثمان باهظة وهائلة، لم يدفعها شعب من الشعوب في السجون والمعتقلات والمذابح لكن هذه الحركات السياسية ببناها الحالية أصبحت أشبه بهياكل عظمية، لا عضلات لها ولا أعصاب ولا دورة دموية فاعلة وبالتالي فإن الذين خرجوا من هذه المعركة العاتية أحياء عليهم أن يفكروا بالجديد، أعتقد كما يقول الفقهاء أننا بين منزلتين، بين مرحلتين، بين مرحلة لم تعد قادرة على الاستمرار وأمام مرحلة يجب أن تبدأ ولكن لم تبدأ بعد هذه هي الملامح الراهنة في سورية هذه الأيام ونحن في مرحلة القلق هذه.
– رضوان زيادة
الملاحظ الآن هو انتصار الساحق لفكرة الديمقراطية بمعنى أن هناك تاريخياً ثلاث مواقف ذات دلالة، الموقف الأول هو إنقلاب حسني الزعيم1949م عندما أتى بالرئيس المنتخب والشرعي شكري القوتلي ووضعه مع رئيس وزرائه خالد العظم بدبابة وجال بهما في شوارع دمشق لينظروا بأعينهم بمدى الترحيب الشعبي بالانقلاب وبالتي ليشعرهم بمدى فقدان الشعب السوري في تك الفترة لمفهوم الشرعية الديمقراطية وإن الشرعية الدستورية التي أتت برئيس منتخب وشرعي هو شكري القوتلي ذهب غير مأسوف عليه مقابل انقلاب عسكري بهدف حدوث تغييرات دراماتيكية لم يستطع شكري القوتلي ولا رئيس الوزراء خالد العظمة أن يأتي بها، الفترة الثانية هي فترة الوحدة السورية المصرية1958 م كانت هزيمة أخرى لفكرة الديمقراطية عندما قوبلت فكرة الوحدة بانتصار ساحق لدى المجتمعات السورية كانت رئاسة الوزراء معقودة وبنفس الوقت يذهب عدد كبير من ضباط الجيش إلى القاهرة ليطلبوا من عبد الناصر نمط الوحدة الاندماجية التي تتحلى فيها سوريا عن نمط برلمانها وأنماط أحزاب السياسة والشرعية والديمقراطية مقابل وحدة اندماجية تحل فيها الأحزاب ويحل فيها البرلمان السوري ولم نجد في فترة انقلاب حسني الزعيم مثقف واحد أو سياسي كبير واحد يدين الانقلاب جريدة القبس التابعة لنجيب الريس اعتبرته فكرة جديدة نحو لإعادة فكرة مفهوم المستبد العادل ونستطيع أن نحقق في الحياة العسكرية ما لا نستطيع تحقيقه في الحياة المدنية نفس الشيء الوحدة السورية المصرية كانت هزيمة أخرى لفكرة الديمقراطية، والفترة الثالثة هي فترة عام 1973م. عندما قامت الجبهة الوطنية التقدمية لم نجد أحزاب عملياً تحفظت على فكرة الجبهة الوطنية بمنطوقها الديمقراطي عندما تحفظ عليها المكتب السياسي “رياض الترك أو الأحزاب الأخرى اتحاد الاشتراكي والمرحوم جمال الأتاسي” ليس من فكرة الزاوية الديمقراطية بقدر ما كانت من فكرة تحفظ على مزايا البعث فيها لأننا لم نلحظ تحفظات رئيسية لأن هذه الجبهة لم تكن تضم جميع ألوان الطيف السوري وكان التحفظ من ميزات البعث فيها وليس من منظور أنها لا تضم فكرة لا تتسم بالشفافية والديمقراطية الحقيقية، مع النكسات الثلاث للفكرة الديمقراطية فمنذ عام 2001 هناك توافق حقيقي وانتصار ساحق للفكرة الديمقراطية هذا من وثيقتين بالغتي الأهمية الوثيقة الأولى للإخوان المسلمين ميثاق الشرف العام السياسي في 2001 الذين أكدوا فيه على نبذهم للعنف والتزم بالعمل السياسي وبالتالي هذا مدخل جديد لم يشر لمفهوم الدولة الإسلامية بالنسبة لهم عبارة عن مرجعية حضارية ليس أكثر وكذلك الحزب الشعب الديمقراطي الذي غير أسمه من المكتب السياسي- الحزب الشيوعي إلى فكرة حزب الشعب الديمقراطي إذا هناك انتصار ساحق لفكرة الديمقراطية لدى الوعي السياسي الثقافي والاقتناع بها كوسيلة أفضل لإدارة العملية السياسية وبالتالي هذا مؤشر على المستوى التاريخي الطويل لأن الديمقراطية هي عبارة عن مخزون تاريخي طويل يثمر فيما بعد انتخابات تعددية وتداول سلمي فلا يستطيع فصيل يؤمن بالديمقراطية أن يلزم مجتمع كامل بديمقراطية لا يؤمن بها وبالتالي اختزان فكرة الديمقراطية في الوعي الشعبي، والوعي السياسي السوري هو مؤشر له انعكاساته الإيجابية المثمرة في المستقبل.
– ناصر الغزالي
لدي ملاحظة حول وثيقة ميثاق الشرف، لم يتنازل الإخوان عن الإسلام كمرجعية دينية ويقبلوا به كمرجعية حضارية إلا بعد حوار شاق لكن السؤال: هل سيتبدلون أو سيقتنعون بذلك ففي النص المقدم من قبلهم كان الإسلام مرجعية دينية وليس حضارية وحصل نقاش كاد ينهي الحوار حول الميثاق في حينها حتى اقتنعوا بأن الإسلام مرجعية حضارية وهنا أتساءل هل هذا كان موقفاً تكتيكياً ومناورة منهم، أم هي قناعة توصلوا لها؟
– رضوان زيادة
الإخوان المسلمون السوريون يتميزون عن الجميع في التنظيم الدولي للإخوان مع التحفظ أن يوجد تنظيم دولي يتميزون بقدرة أكبر في الأداء السياسي، هذا لا يتعلق بهم كأشخاص بقدر ما يسمى بعلم الاجتماع السياسي التعلم بالتجربة بمعنى أن تجربة الإخوان المسلمين السوريين هي الأقسى على مستوى التعذيب والسنوات الطويلة في الإعدام والسجن جعلتهم يتعلمون مجبرين هذا لم يحدث الشيء نفسه للإخوان المصريين الذين تلحظ مدى الإقفار السياسي مدى السذاجة بالتعامل حتى الآن يخرجون بالمظاهرات وشعارهم هو “الإسلام هو الحل” الحل لمن ولمن هذا الشعار موجه للسلطة أم للمجتمع وبالتالي هناك يوجد تفاوت في الخطاب السياسي بين الأخوان السوريون عن المصريين وتقدم الخطاب للإخوان السوريون نتيجة تعليمهم بالتجربة وعيشهم بالغرب لفترة طويلة رغم أن هذا لم يثمر بمراكمات فكرية مهمة لهم مقارنة مع حزب النهضة التونسي لكن تعلمهم بالتجربة بالنسبة لهم وتعلم الحزب الشيوعي بالتجربة هو الذي أعطاهم الاختزان أن فكرة الديمقراطية هي الوسيلة الأفضل للتعامل والاحتكام لها كوسيلة أفضل لإدارة النزاع بين الأطراف السياسية.
ـ ميشيل كيلو
هناك ثلاث مراحل، عندما نتكلم عن سوريا، الأولى: مرحلة ما قبل الاستقلال، ثم مرحلة ما قبل الوحدة، وأخيراً مرحلة ما بعد آذار 1963. في الأولى، هناك مجتمع ينمو ويلتحم أكثر فأكثر ويتكامل باعتباره مجتمعا يتكون على أسس المواطنة وفكرة الدولة وفكرة الحريات ووجود الأحزاب النقابات، في فضاء يتشكل خطوة خطوة، وفيه وجود للإنسان باعتباره ذات حرة وفرد حر هو مواطن لديه القدرة على التعبير عن نفسه ضمن تجربة تاريخية مفعمة بالنواقص. هذا التطور عرف بدايات تشكل المجتمع والأحزاب. بعد عام1963، بشكل عام وبعد عام 1970 بشكل خاص توقف هذا التطور وتم تكسير كل ما تم إنجازه في المرحلة الأولى وأصبح لدينا عملياً حزب ولم يعد لدينا مجتمع، ولدينا سلطة تحدثت كسلطة أمنية وقمعية وظيفتها تكسير المجتمع وتفكيكه وإضفاء طابع تقليدي تمزيقي عليه، لا تستند إلى تكوينات مجتمعية بل تتكيء على حاضنة اجتماعية خاصة خلقتها هي نفسها تتمثل في أجهزتها ومخابراتها وحزبها، بينما ركزت جل جهدها على جعل المجتمع تقليديا في تفكيره وعلاقاته وبناه ومصالحه. ثمة هنا مفارقة، فالسلطة التي تحدث نفسها كسلطة أمنية تخرج المجتمع من الحداثة وتحطم مكوناته الحديثة وتعيده إلى مستوى تجمعات ذات بناء وتفكير ما قبل حديثين. في القسم الراهن من هذه المرحلة الثالثة، تستعيد القوى الديمقراطية السورية، ولكن بمستوى أرقى، عقل ورؤية وفهم وطرق عمل وممارسات المرحلة الأولى، وتعيد إحياء السياسة انطلاقا من فكرة المواطنة، التي هي اليوم فكرة متبلورة إلى حد كبير يعتبرها الجميع حجر أساس المجتمع الديمقراطي. ومن يراقب الوضع الآن، سيجد أننا نقوم بإرساء مشروعنا في معظم تعبيراته السياسية والفكرية على فكرة الإنسان باعتباره مواطناً حراً، وهذا أمر كان غائب عن المرحلة الأولى، كما أننا نتحدث اليوم بلغة القواسم والجوامع المشتركة، لأن المجتمع من أوله إلى آخره يعيش مأزقا تاريخيا تسبب به بالدرجة الأولى حزب البعث، لا مخرج منه بغير الديمقراطية، التي سيتوقف انتصارها على إعادة إحياء وكسب الطبقة الوسطى، وعلى نجاح هذه الطبقة في تعبئة وإعادة إنتاج المجتمع كمجتمع موحد يواجه سلطة أثبتت التطورات أنها لم تنجح تحقيق أي شكل من أشكال التحديث، باستثناء تحديث القمع، والسلطة الأمنية، التي أصبحت معادية للمجتمع وصار له مصلحة في أن يتخلص منها ويضعفها. نحن الآن في بداية هذه المرحلة، التي أعتقد أن نتائجها ستتوقف على عودة الطبقة الوسطى إلى السياسة، وعلى حجم ونوع هذه العودة، والطريقة التي ستعيد بها إنتاج المجتمع كمجتمع حديث وديمقراطي يستند في أبنيته وتفكيره وعلاقاته على المواطنة. هذه معركة طويلة وليست سهلة، لأن جزءا كبيرا من مفاتيح الوضع ما زال بيد النظام، منه مثلا قسم كبير من الثروة والمعرفة والقوة، بينما المجتمع حذر وخائف ومفكك وتقليدي، يفكر بطريقة تقليدية وينظم شؤونه بطريقة تقليدية، علماً بأن أقنية تواصله ليست حديثة أو ديمقراطية، رغم أن الديمقراطية تلقى قبولاً متزايداً منه. سورية على مفترق طرق مهم، وأظن أنها ستدفع ثمناً باهظاً قبل أن تخرج من زمنها الراهن.
– ناصر الغزالي
هل تعتبر إعلان دمشق جزء من هذا الجديد؟.
– ميشيل كيلو
بدون أي شك، إنه أهم التعبيرات السياسية عن هذا الجديد، حتى الآن.
– رضوان زيادة
أي إدارة تضع إستراتيجية هي طبيعية لحفظ مصالحها وهي لا توضع من أجل مصالح الغير إن إستراتيجية الأمن القومي لحفظ مصالحهم فعندما نقول إستراتيجية أمريكية فهي توضع لضمان لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وهذه للذين يعتقدون أن السياسة الأميركية تدار بالمؤامرات وهي واضحة بأنها وضعت لتحقيق المصالح وممكن الخلاف في الإستراتيجية وهذا ضروري وشرعي، لكن نقول أن الإستراتيجية هدفها تحقيق مصالحها طبعاً هذا جزء من تعريفها وثانياً كلنا متفقون على أن أحداث 11من أيلول كان حدث مفصلي لتغيير تفكير بالتعامل بالسياسة الأمريكية الخارجية وهذا تجسده عملياً وثيقة الأمن الاستراتيجي لعام2002 م التي جسدت القطيعة والاختلاف بالسياسة الخارجية الأمريكية بحيث أن نمط الحروب الوقائية خوفاً من أن يأتي الإرهاب لأمريكا سوف ننقل حروب الإرهاب لدول الغير ويصبح التعامل معها أسهل هذا ما حدث بأفغانستان والآن في العراق على أن تكون هاتين الدولتين في بؤرة استقطاب الإرهابيين وبذلك تكون حروب الإرهاب بأرض الغير وليس بالأرض الأمريكية حينها شعروا وخاصة تيارات المحافظين الجدد أن أفضل وسيلة بعيدة المدى للتأثير في منع ظهور الإرهاب في دول مثل دول العالم الثالث هي احتفاظ قدرة شعوب هذه البلدان للتأثير والتغيير وبالتالي الفقر والدكتاتورية هي البيئة الخصبة لظهور الإرهاب هذه المفاضلة البسيطة هي التي جسدت اعتذار بوش بأيلول 2003م على دعم 60 سنة من الدكتاتورية وهذا نمط مفصلي عملياً بتغيير الاستراتيجيات وأصبح بوش مثل ما أسماها فوكوياما جسدت الإدارة الأمريكية مبادئ المثالية بأنه يجب أن نكون مؤمنين بالفكرة الديمقراطية ونحاول نشرها من هنا عندما أتهمه السياسيين أنه ساذج رد ببساطة لما تحدث ريغان الذي يعتبر نفسه خليفة 1982م على نهاية إمبراطورية الشرق وحظر دعم الديمقراطية وصف بالساذجة لكن بعد 10 سنوات تحققت إستراتيجيته وبالتالي عملياً جورج بوش يمتلك نفس الروح لكن الجديد هو الذي أضافه الدكتور عبد العزيز الخير حول العمليات التي حدثت بالعراق ولبنان جعل المدرسة المثالية تتراجع عند المحافظين الجدد المقالة مهمة كثيراً التي نشرها فوكوياما في نيويورك تايم ماغزين وترجمتها النهار والسفير. ولكن ما بعد المحافظين الجديد كسياسة وأيديولوجية أصبحت تعيد النظر أن هذه المثالية إلى أين وصلت بنا فالجديد فوز حماس في فلسطين وهي منظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة عندك انتشار نمط من التفكير الديني الطائفي في العراق وعودة مختلفة من الأصولية في عدد كبير من الدول التي تسعى أمريكا لنشر الديمقراطية فيها فالآن الصراع ما بعد المحافظية الجديدة تعمل قطع مع السياسة وهذا ليس تفكير فوكوياما لأنه يعاد الآن صياغة وثيقة جديدة للأمن القومي بـ 2002م الوثيقة التي تصاغ في 2006 – 2007 سنرى حجم التغييرات في إعادة النظر بنشر لديمقراطية هل هي مفيدة فعلياًً على المدى البعيد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وهي سوف تساعد بنشر الديمقراطية أم ستساعد في صعود الأصوليات للحكم في الدول، نمط من التفكير الأمريكي يقول ولو أن الأصوليون وصلوا للحكم لفترة قريبة لكن على المستوى البعيد هذا يعزز نمط المشاركة السياسية ويعزز صعود الفشل لأن الأحزاب الأصولية والدينية ليس لها برامج سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية وبالتالي هي شعوب نفسها قادرة على أن تغييرها من الأفضل أن تقبل، وفي الوثيقة الجديدة حتى الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة بوصول حركات مضادة لها هي أول مرة تستخدم هذه الكلمة فمن قبولها لحركات أسلامية إلى قبولها لحركات مضادة لها للولايات المتحدة الأمريكية مقابل ذلك على المدى البعيد عندما تتعزز ثقافة الديمقراطية واحترام المشاركة السياسية والتداول السلمي على السلطة يكون هذا لك انتصار منعاً من انتشار الإرهابيين، الإستراتيجية الأمريكية ليست إستراتيجية ثابتة وقادرة قدرتها على التحويل وتفكيك رهيبة كما رأينا بالعراق الانتقال من حاكم عسكري بريمر إلى مجلس حكم انتقالي على فترة حكم انتقالية لمدة سنة لبرلمان يعكس قدرتها على التكتيك السياسي لكن ضمن الخطوط العامة الأمثل وبالتالي قدرتنا كسوريين نحسن التحرك ضمن الإستراتيجية العامة وتقرأها بإمعان وبنفس الوقت تستفيد من التفكيك السياسي المتغير لحد الآن الولايات المتحدة ما يتعلق بسوريا كجزء من إستراتيجية منطقة لها تركيز أكبر بكثير عليها أكيد في معيارين مكيال بمكيالين رأيناه بليبيا الذي لم يتم احترام الفكرة الديمقراطية هذا الذي يدل أن نفس المحافظية الجديدة عم تراجع نفسه نحو مثالية جديدة واقعية أكثر بالنهاية الديمقراطية كم ستكون مفيدة استراتيجياً لنا في المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة من يجب علينا أن لا يكون عندنا فهم أسطوري مثالي للإستراتيجية الأمريكية ولا يكون فهم رفضي لها قدرتها على أن تقرأ بتكتيكها السياسي ضمن رؤيتها للإستراتيجية العامة.
– حبيب عيسى
إذا كان مفهومنا نحن أن أمريكا أتت إلى العراق لتحقيق الديمقراطية فقد فشلت بذلك. ولكن إذا كانت قد أتت لتفعل ما يحدث الآن في العراق من مذابح وفتن فقد نجحت في ذلك وأنا أعتقد أن هذا ما كانت تريده وأنا أتفق مع أخي عبد العزيز الخير بأن الديمقراطية في الوطن العربي لن تخدم المصالح الأمريكية وأن أنظمة الاستبداد وحدها هي القادرة على تحقيق ذلك والولايات المتحدة تدرك ذلك إدراكا حقيقياً لهذا فهي العدو الأول للديمقراطية في الوطن العربي. لكن رغم هذا يمكن الاستفادة الآن من مأزقها مأزق الولايات المتحدة الإستراتيجي في أن هذه النظم الديكتاتورية القائمة لم تعد قادرة على تحقيق مصالحها في الوطن العربي ولهذا فهي تريد تحسين أداء هذه النظم حتى ولو عن طريق عمليات تجميل شكلية أنظر إلى مصر نموذجاً ماذا فعلت في مصر فالعملية خلال السنوات الأخيرة كانت عبارة عن عملية تجميل شكلية أي ضحك على الذقون فحكاية الديمقراطية التي تتم في مصر بالتعاون بين النظام والإدارة الأمريكية وما يجري في العراق الآن ليس خروجا على ما تريده أمريكا، فلا يمكن أن نتهم الإدارة الأمريكية بالغباء أو السياسة الأمريكية بالغباء فهي سياسة ذكية وقادرة وتمتلك إمكانيات هائلة وقد أتيح لها ثلاثة أشهر أو ستة أشهر الأولى بعد سقوط بغداد كي تقيم نظاما ديمقراطياً لو أرادت وأن تخرج من المأزق العراقي لو كانت تريد لكنني أخشى أنها حقيقة تريد أن يحصل ما يحصل الآن في العراق.
– رضوان زيادة
التدخل الأمريكي في العراق موقع جدل وسجال كبير إنها ليست لأهداف سياسية ديمقراطية يوجد مصالح.
– ناصر الغزالي
هل تشكل المعارضة السورية في الخارج قوة فاعلة على المدى المنظور داخلياً؟ وهل تستطيع تنفيذ برنامجها من خلال الداخل أم بأجندة خارجية؟
– ياسين الحاج صالح
لا يحتاج إلى توكيد خاص القول إن المعارضة السورية ككل، في الداخل والخارج، ليست قوية. لكنها صنعت فرقا مهما بإعلان دمشق، الفرق بين الفراغ والتبعثر وبين درجة مهما تكن بسيطة من النظام والحضور. أنا ضد التشكيك بالمعارضة ومحاولة النيل منها، وهي موضة دارجة هذه الأيام. لكن نعرف أن المعارضة ليست قطبا في مواجهة الأمريكيين والنظام، ولا يوجد بديل إلا إذا تحولت المعارضة لقطب فاعل. ائتلاف إعلان دمشق قد لا يستطيع ملء فجوة القوة إذا انهار النظام.. لكنه قادر على تجنب الأسوأ على الأقل أو الحد منه.
لست ميالا لاصطناع فرق بين المعارضة الداخلية والخارجية. ولكن لا يمكن لدور المعارضة الخارجية إلا أن يكون مكملا للمبادرات والحراك الداخلي
– مشيل كيلو
أعتقد أن المعارضة بلورت في السنوات الأخيرة مفاتيح مقبولة للعمل، سواء كانت مفاتيح سياسية أو إجرائية / تدابريية. وأظن أن كل شيء يتوقف اليوم على نجاح المعارضة في التحول من جهات سياسية تلتقي إلى جهات فاعلة في المجتمع، حيث يجب أن تنصرف أولوياتها إلى بناء كتلة شعبية قادرة على حمل المشروع الديمقراطي والقتال من أجله.
– عبد العزيز الخير
لا تستطيع المعارضة الخارجية السورية أن تكون قوة فاعلة على المدى المنظور داخلياً، ولا تستطيع تنفيذ برنامجها لا من خلال الداخل ولا لأجندة خارجية في الوضع السوري لا هذا ممكن ولا ذاك ممكن. فاعليةالمعارضة بالخارج مرهونة بشبكة علاقات عميقة ومتينة تقيمها مع الداخل، وقدرتها على تنفيذ وفعل شيء ما يرتبط بحيوية وفعالية الشبكة المذكورة.
الطرف الأضعف هو المعارضة الخارجية،وإذا كان لها برامجها الخاصة فستكون مخطئة جداً.البرنامج يكون داخلياً أساساً والمعارضة الخارجية تسهم فيه، تغنيه، تعدله الخ …
نعم لها مهام محدده في سياق النضال من أجل تحقيق البرنامج بالتأكيد، أما أنها هي التي تصنع البرنامج وتنفذه من خلال الداخل فهذا في تصوري غير واقعي أبداً وإذا كانت تعتمد على أجنده خارجية فهذا وضع كارثي .
– رياض سيف
إن المعارضة السورية في الخارج تكتسب أهمية كبيرة في عملية الانتقال إلى النظام الديمقراطي، فهي كتلة بشرية لا يمكن إغفالها وذات إمكانات مادية كبيرة وذات هامش كبير في الحركة وحرية التعبير بعيدا عن بطش النظام، وتتصف هذه المعارضة أيضا بميزة الإفادة من قوى التقدم والحرية العالمية، ولكن ولجملة اعتبارات يبقى دورها مكملا وداعما لقوى المعارضة في الداخل.
ولابد لبرامجها أن تتطابق مع برامج المعارضة في الداخل، وفيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال أعتقد أن الغالبية العظمى من قوى المعارضة في الداخل والخارج أعلنت رفضها للتدخل العسكري الخارجي كما أعلنت رفضها قبول أي دعم مالي خارجي، ورغم كل ما قيل عن ضعف قوى المعارضة السورية في الداخل فان علينا أن لا ننسى المخاطر والمصاعب التي تواجهها من قمع وبطش حيث على مدى أكثر من ثلاثة عقود دفعت ولا زالت ثمناً باهظاً بالأموال والأنفس وكثير من روادها قضى ربيع عمره في غياهب السجون، وبالرغم من كل ذلك استطاعت أن تحافظ على وجودها صوتاً للحرية أنتج مؤخراً إعلان دمشق الذي يؤمل منه أن يكون بذرة صالحة إذا ما أحيطت بالرعاية يمكن أن تساهم في الانتقال إلى الديمقراطية، على أن لا يغيب عن الذهن أن القوى الفاعلة بشكل حقيقي هي المعارضة الغير مرئية والتي تطلق عليها المعارضة الصامتة التي تنتظر توفر البيئة المناسبة كي تعبر عن نفسها وتنطلق بالتعاون مع المعارضة في الداخل والخارج كالمارد لانجاز المهمة المقدسة في بناء النظام الديمقراطي في سورية.
– حبيب عيسى
باختصار شديد المعارضة في الخارج هي جزء من المعارضة في الداخل هناك أزمة بالنسبة للمعارضة السورية في الداخل وفي الخارج فالمعارضة السورية في الداخل محاصرة ومقموعة وممنوعة من أي نشاط سياسي والمعارضة في الخارج تعاني من وجود أعداد كبيرة من العرب السوريين فرض عليهم فرضا أن يكونوا في الخارج وهم ممنوعون من أي اتصال بالداخل الآن وبسبب تطور وسائل الاتصال ربما تتحسن الأوضاع لكن غياب هؤلاء عن الساحة الداخلية لفترة طويلة يبقى إشكالية كبيرة تتعلق بفهم الواقع واّلية التعامل معه. الآن ضعف المعارضة في الداخل والخارج وقوتها مرتبط ببرنامجها، الرؤية العامة من بعيد للوضع الداخلي مهم جدا وهذا ما يجب أن تقوم به المعارضة في الخارج والرؤية من الواقع إلى العالم هي رؤية مهمة أيضاً ويمكن أن تقوم بها المعارضة في الداخل وهذا يتوقف على أن يكون لهذه المعارضة منهجها وبرنامجها الواضح من أجل مستقبلها ومستقبل الوطن.
– رياض سيف
كثيراً ما تعرض الشعب السوري إلى التشكيك في قدرته على التفاعل الحضاري والتطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي, فبعض رموز السلطة ادعت في الآونة الأخيرة قيامها بواجبها من خلال إصدار العديد من القوانين المتطورة, إلا أن عدم قدرة الذهنية السورية على مواكبة هذه القوانين والتفاعل معها هي السبب في تباطؤ عملية التحديث والتطوير, وأنا أرى في هذا الكلام استخفاف مهين بحق الشعب السوري.
المقاومة الباسلة للشعب السوري العظيم قل نظيرها في لعالم فالاحتلال الفرنسي لم يتمكن بسط نفوذه على سورية إلا على جثامين وزير الدفاع يوسف العظمة ورفاقه المجاهدين ,وعمت الثورات ضد الاحتلال كافة المناطق السورية والتي توجت بالثورة السورية الكبرى عام 1925 وبعدها عاش الشعب السوري مرحلة المقاومة السلمية حيث استطاع الشعب السوري اختيار قيادة وطنية في انتخابات الجمعية التأسيسية رغم كل محاولات سلطات الاحتلال منع ذلك, الأمر الذي اضطرها إلى حل الجمعية التأسيسية, كما أن إضراب الستين يوما الذي عم كل أنحاء سورية عام 1936 , أجبر الدولة المحتلة على توقيع معاهدة نيل الاستقلال رغم عدم قدرة الحكومة الفرنسية على نيل موافقة البرلمان الفرنسي بحجة عدم تحقق المصالح الفرنسية في المعاهدة. وقد وفرت المعاهدة فرصة لممارسة الديمقراطية استمرت حتى عام 1939 مارس فيها, الشعب السوري وقياداته الوطنية الثقافة الديمقراطية بأبهى صورة, ثم جاء الاستقلال بنهاية عام 1943 وجرت انتخابات حرة ونزيهة فاز بكل مقاعدها رجالات الكتلة الوطنية وإذا أخذنا الممارسات الديمقراطية للشعب السوري في عام 1944 وقسناها بما كان يجري في العالم من ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية وديكتاتورية فرانكو في أسبانيا وسالا زار في البرتغال وستالين في الاتحاد السوفييتي لوجب علينا الوقوف إجلالاً وإكباراً للشعب السوري الذي أثبت حضاريته وقدرته على خلق مجتمع ديمقراطي واقتصاد حر, ولكن إفرازات الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من زرع للكيان الصهيوني ونكبة الشعب الفلسطيني ألحقت أفدح الضرر بشعوب المنطقة ومنها الشعب السوري وبالرغم من كل الثمن الباهظ الذي دفعه تمكن الشعب السوري في بداية الخمسينات أن ينهض من جديد ويبني دولة حديثة ومتطورة محققا ما يصل حد المعجزة في مجالات الاقتصاد والثقافة والخدمات إلى أن تم منع الشعب من ممارسة السياسة في زمن الوحدة مما حد من نشاط الشعب السوري, وحتى عام 1963 حافظ الشعب السوري على منظومة أخلاقه وقيمه كما حافظت مؤسسات الدولة على حسن الأداء في خدمة المواطنين وحرمة المال العام حيث أن سورية كانت حتى ذلك التاريخ من أقل الدول في العالم انتشارا للفساد. والمشكلة الحقيقية في المجتمع السوري بدأت بعد عام 1970 حيث جرى وبشكل ممنهج تفكيك كل مؤسسات الدولة الرقابية لتتحول البلاد إلى ما يشبه المزرعة الخاصة وتحولت كل مؤسساتها إلى شكل دون أي مضمون, فمجلس الشعب لا علاقة له بالتشريع ووزارة الإعلام مهمتها تزوير الحقائق, والنقابات وغرف الصناعة والتجارة تدار من قبل الأجهزة الأمنية, والمواطنون أجبروا على النفاق من أجل البقاء وأصبح الارتزاق ضرورة لتوفير متطلبات الحياة وإن وضعا كهذا يستمر على مدى أكثر من ثلاث عقود ألحق بالمجتمع السوري الكثير من التشوهات فظهرت حالة من الإعاقة في كل مجالات الحياة العامة فبتنا متخلفين عن أغلب دول المنطقة بعد أن كنا في المقدمة والسبب الجوهري في ذلك هو حرمان الشعب السوري من الديمقراطية وبناء الاقتصاد الحر. والآن وبعد رفع المظلة الأمريكية عن النظام القائم وبات الأمل كبير في إمكانية الانتقال إلى النظام الديمقراطي , وأنا على ثقة أن الشعب السوري ورغم كل ما أصابه من وهن لازال قادراً التغلب على كل التحديات وبناء دولته الحديثة بتعاون كل أبناءه في الداخل والخارج وبالتفاعل الايجابي مع المجتمع الدولي وباستثماره الأمثل لكل ما وهب الله سوريا من ميزات طبيعية.
– رضوان زيادة
الفترة الذهبية للنظام السوري هي فترة الثمانينيات، إذ خضعت هذه الفترة لعلم السياسة المقارن نجد أن مرور نظام بستة أزمات بعقد واحد 1979 إلى 1990 داخلية وإقليمية ودولية على كل الصعد، تمكن النظام من تجاوزها فالأولى بدئت بالصراع بين الرئيس حافظ الأسد ورفعت الأسد “نائب الرئيس سابقا وأخ للرئيس” فكانت تهديد لموقع قيادة النظام نفسه، إذ استطاع الرئيس حافظ الأسد تجاوز هذه الأزمة، وثانياً الأزمة التي تتعلق مع الأخوان المسلمين عام 1982، والأزمة الثالثة دخول الجيش السوري إلى لبنان، هذا بداية عقد الثمانينيات، وفي نهاية نفي العقد هناك نفس الأزمات بشكل أخر الأزمة الاقتصادية الخانقة وهي مشهورة بأزمة 1986 “افتقاد العملة الأجنبية والتهمة التي وسمت للرئيس حافظ الأسد بالإرهاب” وكانت نتيجته قطع الاتحاد الأوروبي العلاقات مع النظام، وما إلى ذلك دخول الرئيس العراقي السابق للكويت كان المخرج للرئيس حافظ الأسد وبالتالي قرار دخول سورية بتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية في تلك الفترة من أجل إخراج العراق من الكويت، هو كان عملياً الفترة الذهبية مؤكداً مصداقية مقولة التاريخ (أن مصائب قوم عند قوم فوائد) ففيها أستطاع الرئيس حافظ الأسد الخروج من عزلة “داخلية وإقليمية ودولية” في هذه الفترة حافظ النظام على علاقات ضئيلة من العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي وجورج بوش الأب وبتفاوض حول هذا العلاقات والمساعدات الاقتصادية الكبيرة الريعية التي أتت من دول الخليج فلم يستطع رئيس سابق من تجاوز هذه الأزمات ويرجع أنه كان هو قضى على كل المواقع الداخلية والإقليمية لذلك كان عقد ريع الثمانينيات والتسعينيات من عام 1990 إلى عام 2000 لوقت وفاته كان هو العقد الذهبي بالمردود الاقتصادي للنظام، فلم يتغير مدير مدرسه ولا رئيس جهاز أمن لذلك ريعية الفساد كانت لأبعد الحدود في هذه الفترة.
– ناصر الغزالي
هل هناك تغير بدأ يتبلور في السياسة الأمريكية بعد جملة الأحداث الأخيرة (العراق، فلسطين، لبنان)؟ وما مدى الاستفادة من جملة المتغيرات الجديدة على صعيد الداخل؟.
– حبيب عيسى
مما لاشك فيه أن سياسة الدول سياسة غير ثابتة سياسة متغيره، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد أرضية لهذه السياسة، فالسياسة الأمريكية في الوطن العربي بشكل عام تقوم على أساس أن للولايات المتحدة مصالح حيوية ترتبط حتى بالأمن القومي للدولة الأمريكية، ولا شك أنه بعد أحداث أيلول “سبتمبر” عام 2001 اضطرت الولايات المتحدة إلى أن تغير ألأساليب والوسائل لتحقيق سياساتها تغييراً جذرياً بسبب أن هذه السياسة التي مضى عليها خمسين عاماً كانت قائمة على دعم النظم والديكتاتوريات في الوطن العربي لكن عمليات قمع الشعب العربي أدت إلى نتائج عكسية للولايات المتحدة الأمريكية، أن تضرب نيويورك فتلك كانت كارثة بالنسبة لهم إذ كان لديهم إحساس بالأمان بسبب بعدهم الجغرافي وامتلاكهم قوات هائلة تصوروا أنها قادرة على منع أية عملية ضدهم بشكل مباشر أو غير مباشر وبسبب هذه الضربة وإحساسهم أنها جاءت من هنا من الوطن العربي كان لابد أن يترتب على ذلك تغير في السياسة الأمريكية إضافة إلى ما كان داخل السياسة الأمريكية نفسها من بحث ونقاش حول سياساتها بشكل عام، كان هناك تغيير فخرجت قوة جديدة من المحافظين الجدد، كل هذه العوامل أدت إلى تغيير في أساليب تنفيذ سياسة الإدارة الأمريكية، لكنها كانت وما زالت وفق نفس المفاهيم القائمة على المصالح الأمريكية، والتي لا يمكن أن يخطر ببالنا أن السياسة الأمريكية سوف تخدم مصالحنا بل مصالحها هي، هذا أدى إلى أن العقد المبرم بين بعض النظم في المنطقة وبين الولايات المتحدة الأمريكية، والذي بموجبه كانت تحافظ على هذه الأنظمة خدمة للمصالح الأمريكية لم يعد صالحا فأرادت أن تجري بعض التعديلات على العقد في بعض المواقع وربما إنهاء بعض العقود في مناطق أخرى، هذه المسألة قد تستفيد منها المعارضة إذا كان لديها برنامجا واضحا للتغيير في سورية بحيث يكون التغيير لصالح نظام وطني ديمقراطي وليس لصالح أي مشروع خارجي أو مشروع استبدادي آخر، وإذا لم تمتلك المعارضة مثل هذا البرنامج والأدوات اللازمة لتنفيذه ربما نعود إلى نفس الدائرة المفرغة “الاستبداد ثم الغزو الخارجي، ثم الاستبداد ثم الغزو الخارجي” وهكذا لن يكون لنا أي مستقبل في هذا الشأن، القضية متعلقة بنا فأما أن نمتلك مشروع فاعل.وإما أن تعقد الولايات المتحدة صفقات جديدة مع الديكتاتوريات القائمة أو تسعى لتغييرها واستبدالها بدكتاتوريات أخرى لا تقل خطراً عن الديكتاتوريات الحالية فكل ما تريده تنفيذ مصالحها من خلال نظم جديدة أو تحسين شروطها مع النظم الحالية بعد إدراكها عدم قدره هذا النظم على الاستمرار بوضعها الراهن. فتحسين شروطها وترقيع النظم الحالية أو استبدالها بدكتاتوريات جديدة قد يكون أكثر خطراً فهناك نظم من الضعف والترهل آيلة للسقوط، فتجديدها أكثر خطرا، والمشكلة تكمن في أن تتمكن القوى الحية في المجتمع من امتلاك إرادة التغيير وأدواته وماذا يمكن أن تفعل لتتعامل مع الأخر “الخارج” من مركز القوة وأن تتعامل مع المتغيرات بشكل أكثر ايجابية وحذر وفعالية.
– مشيل كيلو
هناك جانب أود التحدث عنه في السياسة الأمريكية، أظن أن هذه السياسة كان لها قبل خمسة عشر عاماً هاجساً رئيسياً في منطقتنا هو الاستقرار، في إطار من توازنات القوى العربية القائمة، الاستقرار الذي يؤمن مصالحها جيداً : كسهولة الحصول على النفط، ودفع الشيوعية إلى التراجع، وإضعاف الاتحاد السوفيتي حتى لدى النظم الحليفة له. واليوم، وبعد سقوط السوفيييت، صارت سياسة أمريكا هي الحفاظ على استقرار ولكن نسبي يمنع المنطقة من الدخول في حالة تعجز أميركا عن السيطرة عليها دون أن تخرج عن طاعتها وسيطرتها. بهذا المعنى، هي تريد الإبقاء من حيث المبدأ على الأمر القائم، مع بقائها قادرة على التدخل هنا وهناك، لتغيير بعض الأوضاع لمصلحتها. أعتقد أن الفترة الأخيرة عرفت تبدلا محدودا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، جعلتها تطور مجموعة كبيرة من الوسائل والأساليب والتقنيات، وتستخدم خططا وطرقا متنوعة لاحتواء الأوضاع والقوى أو التكيف مع الحالات غير الملائمة، أو الأخذ بمصفوفة كبيرة من وسائل التدخل الداخلي والخارجي، كالضغوط الاقتصادية والحروب الإعلامية والعزل والإضعاف والحصار والضرب العسكري المباشر…الخ. أما آخر الأوراق، التي يبدو أنها تلعبها، فهي ورقة التغيير في مفاصل ونظم ومواقع معينة، عنيت ورقة الديمقراطية، ورقة التغيير الأكثر ملائمة لها بسبب وضع المنطقة وسياساتها في إطار العولمة، التي تعتبرها منطقة مركزية جداً سواء بوصفها المنطقة الأكثر تطورا في الجنوب أم الأدنى مستوى في الشمال، تضم سوقاً بشرية هائلة لديها ثروات فريدة وفوائض رساميل كبيرة، فهي ضرورية لاستمرار النظام العالمي، وبشكل خاص لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، خاصة وأنها منطقة نشأت فيها حضارات عريقة، وفيها طبقة وسطى لديها خبرة واسعة في بناء النظم والدول. إنها، باختصار، منطقة مفتاحيه على المستوى العالمي، فمن الضروري أن تحافظ أميركا على توجهها الاستراتيجي حيالها، القائم على احتوائها كمنطقة مركزية وكأداة بيدها، يمكن أن تضمن عبر سيطرتها عليها هيمنتها العالمية، فالتغيير فيها لا يجوز أن يكون لصالح شعوبها وأممها. أنا أتفق مع الأستاذ حبيب عيسى على أن أمريكا لا تريد ديمقراطية، لأن الديمقراطية الفعلية سوف تعيد كافة القضايا الأساسية في المنطقة فمن مسألة فلسطين إلى الوحدة والنفط والاستقلال…الخ، وسوف تطرح هذه القضايا بشروط غير ملائمة للولايات المتحدة الأمريكية وضد مصالحها لألف سبب وسبب. إن مشروع التغيير يشكل جزءا من طموحاتنا لكنه يخالف مفهوم التغيير الأمريكية، الذي سيقطع الطريق علينا، فالمناخ مناخ تغيير لكن مضمون التغيير لدى الولايات المتحدة الأمريكية يختلف عن ما نريده نحن. بهذا المعنى، السياسة الأمريكية محكومة برؤية للتغير لا تتطابق مع طموحاتنا. ومن يرصد ما قامت به أمريكا عبر مفهومها للتغير في العراق والسعودية ومصر ومشروع شرق الأوسط الكبير، وكيف تراجعت عن خططها الأولى وتخلت عن وعدها بتغيير الحكومات وتعهدت بالتغيير بمساعدتها، يأخذ فكرة عن التوجه العام للسياسة الأمريكية،التي ستمثل توجهها الإستراتيجي لسنين كثيرة قادمة , وستركز على منطقتنا شديدة الأهمية ليس لأن شعوبها مظلومة بل لأن الإمساك بها ضروري للإمساك بالنظام العالمي. إن أمريكا تريد أن تكون منطقتنا خالية من صراعات كبرى وأن يكون فيها قدر معقول من الاستقرار، ولديها توازن اجتماعي وسياسي، وتريد أن تكون مهدئة ضمن إطار التغيير وبشرط التغيير الأميركي.
– ياسين الحاج صالح
التحول الأساسي للسياسة الأمريكية في رأيي هو ما سميته التحول الإمبراطوري، أي تكون سيادة عليا عالمية غير دستورية، لا منافس لها وواعية جدا بموقعها وحريصة عليه وعلى توسيعه وتعزيزه. اليوم لم تعد سياسة الولايات المتحدة موجهة نحو منع التطورات التي قد لا تناسبها، بل نحو إحداث التغيرات التي تناسبها. بمعنى أنها انتقلت إلى سياسات أكثر تأكيدية.. أكثر ايجابية.. أكثر فرضية.. هذا التغير مهم. من هذا الباب أصبح الكلام عن “تغيير الأنظمة” و”إعادة رسم الخرائط” و”الفوضى الخلاقة” و”الحروب الوقائية” ومذهب بوش وما إلى ذلك، وتحولت أمريكا إلى قوة تغيير موضوعية في منطقتنا، بغض النظر عن أي إحكام معياريه حول هذا التغيير. بعد 11 أيلول جرت تغييرات كبرى وخفضت سيادة بعض الدول، وأسقطت بعض الدول، وتغيرت بعض الأنظمة، وأصبحت أمريكا طرف داخلي في كل الدول التي حولنا، بما فيها سورية.
في العراق جرى التغيير بذراع الأمريكان وليس بذراع أحد أخر. ربما لذلك الوضع العراقي اليوم متفجر وغير مسيطر عليه. في لبنان كان هناك مساحه تقاطع كبيرة بين الفعل الخارجي، وكان أمريكيا وفرنسيا، وبين المبادرة الداخلية اللبنانية. نذكر أنه في 14 آذار من العام الماضي خرج مليون نسمة.. أريد أن أقول: كلما كبرت مساحة التقاطع بين العامل الخارجي وبين المبادرة الداخلية، يكون مستقبل البلاد أفضل. وحين يحتكر العامل الخارجي وحده إحداث التغيير يكون الوضع أسوأ، فهنا “يفرط” المجتمع تماماً، وخصوصا مجتمع محكوم بالدكتاتورية كالمجتمع العراقي أو المجتمع السوري، مجتمعات مجففه تحولت إلى حطب جاهز للاشتعال تقريباً.
وبرأيي “القانون” الأساسي في هذا الخصوص هو: كلما توفرت قوى منظمة وعقلانية ومعتدلة في البلد المعني، كان التأثير العامل الخارجي ايجابيا ومفيدا. أما إذا كانت هذه القوى ضعيفة ومفككة، فإن تأثير العامل الخارجي يكون سلبياً وهداماً. وهذا يتناقض مع الانطباع شائع يقول: نحن ضعفاء، إذاً لندع الخارج يغيرنا! فإذا كنا ضعفاء وتولى الخارج تغييرنا فسوف تتهاوى البلاد نحو الهاوية. لكن عندما نكون أقوياء نستفيد من الخارج.
وإذا تحدثنا عن الوضع السوري الحالي فإني أرجح أن التغيير قد يكون نتيجة ثلاث عوامل: أولاً، ضغوط خارجية؛ ثانياً، مبادرات داخلية من نوع إعلان دمشق وما شابه؛ ثالثاً، انشقاقات داخل النظام من النوع الذي شاهدناه في حالة خدام وربما غازي كنعان.
– عبد العزيز الخير
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية بشكل عام خلق عالم جديد ، عالم جديد فيه سيطرة أمريكية هائلة وهذا يتطلب أويرتب إعادة إنتاج السيطرة بصورة مباشرة بكل ساحة من ساحات العالم بدءاً من دول أوربا الشرقية امتداداً إلى دول كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي (أوكرانيا ، جورجيا…) وصولاً إلى مناطق أخرى في العالم، وآخرها منطقتنا . والهدف هو تأبيد أو إدامة الهيمنة والإمساك بالاقتصاد العالمي من أهم مفاتيحه الأساسية وهو مفتاح النفط هذا في منطقتنا. الإستراتيجية الأمريكية معلنة منذ التسعينيات فهي ليست سرية أبداً وتفصح عن نفسها وهي مستقرة بالنسبة للمنطقة ومستعدة للوصول من أجل تحقيق أهدافها لإعادة رسم الحدود السياسية والديمغرافية بالمنطقة بالتوافق مع الإستراتيجية الصهيونية.كل هذا يجري تحت عنوان أو تحت شعارات الديمقراطية ، برأيي الديمقراطية التي تطرحها هي شعار للاستهلاك، أي ترحب أمريكا بإجراء ديكور ديمقراطي أو تعديلات ديمقراطية شرط أن لا يخل ذلك أبداً بقدرتها على السيطرة الحقيقية في المنطقة ، والديمقراطية الفعلية في المنطقة ليست لصالح أمريكا على الإطلاق فالشعوب مشحونة جداً ضد الأمريكان ومعادية كثيراً للمشاريع الأمريكية وبالحد الأدنى معادية جداً للصهيونية وإسرائيل التي لا تتخلى أمريكا عنها ، هذا يوضح زيف وسطحية الطرح الأمريكي الديمقراطي بالنسبة للمنطقة لنلاحظ الانتقائية في التعامل وفي السياسة لبلدان دون بلدان والمصالحات التي تتم هنا وهناك (مع السعودية ومصر وليبيا) حسب موازين القوى ومقتضيات المصلحة أيضاً تفضح عدم جديتهم في طرح الديمقراطية وتكشف أن الهدف هو كما قيل في هذه الندوة مزيد من السيطرة واستغلال اللحظة التاريخية الموجودة على المستوى الكوني بتفرد أميركيا بالزعامة كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية لخلق مرتكزات تديم هذه السيطرة وتعززها مع الزمن، يوجد اندفاع واعٍ لمحاولة تحقيق هذه الأهداف ، فغزو العراق 2003 كان خطوة فيها الكثير من الرعونة والأخطاء في الحسابات وقد حذرهم الأوربيون من مغبة هذه الخطوة لكن أمريكا كانت مستعجلة في تحقيق أهدافها فبسّطت العقبات ووضعت افتراضات نظرية معينة تتوهم أن الشعب العراقي سوف يرحب بغزوهم هذا، وبعد دخولهم بفترة قصيرة اكتشفوا غير ذلك، أمر أخر بدأ يتضح على السطح هو المدى والحدود التي يمكن أن يذهبوا إليها من أجل بسط وإدامة سيطرتهم، ففي حين يتباهون بما حققوا من ديمقراطية في العراق بنفس الوقت لم يتطرقوا أبداً للانقسامات التي تحصل وتكرس يوماً وراء يوم النعرات الطائفية والقومية، ساكتين عما يجري بل وفاعلين ومؤثرين فيه، بعد التطورات الأخيرة في العراق وفلسطين أعتقد بدؤوا يعقلنوا تكتيكهم، التكتيك بدأ يعقلن لأنهم اكتشفوا أنه مغامرة كبيرة قد تكون نتائجها غير محمودة، وأظن أن المشروع الأميركي في العراق في مأزق حقيقي ويحتاج إلى مخرج معين وهم يبحثون عن ذلك، وأعتقد أن ما جرى من ضغط على الجرح الطائفي خلال الأسبوع الذي مضى (تفجير المقامات وردود الأفعال) قد يكون جزء من السياسة الأميركية لكي يصل المواطن العراقي إلى قناعة أنه إما أن يقتنع بالاحتلال أو يصلوا به إلى الحرب الأهلية، بالضبط كما حصل مع الهند عندما وجهت الحكومة البريطانية لغاندي إنذاراً بقبول بقاء الاحتلال في الهند أو مواجهة الحرب والتقسيم الطائفي ،وهذا ما حصل إذ أانفصلت باكستان عن الهند في حينها. الآن الاحتلال الأميركي أصبح يقيس خطواته أكثر فهذا هو التغير الذي طرأ، فلم تغير الولايات المتحدة الأميركية إستراتيجيتها ولكن هذه الإستراتيجية في اعتقادي ضعفت فاعليتها بسبب أنهم في العراق وقعوا في مأزق، وليس هذا فحسب بل على المستوى الداخلي الأميركي أيضاً ثمة متاعب، فالرئيس بوش صاحب هذه السياسة يتعمق مأزقه، وبالتالي كل مشروع المحافظين الجدد ممكن إن يخضع للمراجعة في ظل الإدارة القادمة، على الأرجح النظام في سورية يكسب الوقت بانتظار وصول إدارة جديدة ، لقد أصبح للمعارضة هامش أكبر من الحرية ، والفضل الرئيسي فيه للعامل الخارجي، فبعد وضع سورية تحت المجهر وتسليط الأضواء عليها ، تولد بعض الحصانة ضد الاعتقال ، لأن الاعتقال لا يتم إلا بصمت وفي عتمة الليل، وهذا غير كافٍ رغم أهميته الكبيرة ، وبقدر ما يكون قمع النظام قيد المراقبة من زاوية سلوكه الداخلي ودوره ينعكس الأمر إيجاباً على حركة الشعب السوري ومصالحه.
– رياض سيف
إن شعوب المنطقة تعيش حالة عداء للولايات المتحدة الأمريكية بسبب موقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية ودعمها المطلق لإسرائيل رغم كل تصرفاتها العنصرية واللاإنسانية حيال الشعب الفلسطيني, لذلك بات من الصعب على أي إنسان في المنطقة أن يدافع حتى عما يراه حقاً وصواباً في تصرفات الإدارة الأمريكية, وهذا بالتأكيد يجعلنا نبتعد عن الموضوعية في تقييمنا لسياسة الإدارة الأمريكية في المنطقة حتى ولو كان في تلك بعض السياسات ما يخدم شعوب المنطقة أو يساعدها على التخلص من الأنظمة الاستبدادية.
إن اعتذار واعتراف الرئيس الأمريكي بوش في خريف عام 2003 دعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدى ست عقود للأنظمة الاستبدادية طلبا للاستقرار في المنطقة ولو على حساب مصالح شعوبها دفع ويدفع الإدارة الأمريكية وخاصة بعد أحداث أيلول2001 نحو مساعدة شعوب المنطقة على إقامة النظم الديمقراطية.
ومما لاشك فيه أن الإدارة الأمريكية ترى في ذلك مصلحتها المتماهية مع مصلحة الشعوب في التخلص من الاستبداد, وهذا يوجب علينا التقاط التوجهات الجديدة هذه ومطالبة الولايات المتحدة بإقران أقوالها بأفعال حقيقية لان في ذلك مصلحة حقيقية لكلا الطرفين, إن هذه الطريقة في التفكير تجعلنا ننطلق وبثقة عالية بالنفس نحو إجراء حوار ندي ومتكافىء مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبقية دول العالم الحر يوفر الصيغة المثلى للانتقال نحو إقامة النظام الديمقراطي بأقل التكاليف وبالسرعة الممكنة ودون أي مساس بالسيادة الوطنية. ودون أن يلغي حقنا المشروع بمطالبة الإدارة الأمريكية بانتهاج سياسة عادلة تجاه القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية وأيضاً دعم حقنا في استعادة الجولان المحتل منذ ما يقارب الأربعة عقود والذي عجز النظام القائم عن استرداده طيلة تلك الفترة رغم كل المزاودات الوطنية في محاربة إسرائيل والتي استخدمت من قبل النظام لتامين استمرار بقاءه في السلطة.
علينا وبكل موضوعية وعقل مفتوح أن ندرك حقيقة التحولات الكبرى التي حصلت على المستوى الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية , وأيضاً تغيرات ما بعد 11 أيلول 2001 وما فرضه كل ذلك من تغيير في سياسات الدول وفي المقدمة منها أمريكا وهذا يشكل مناخا علينا أن لا نفّوت فرصة العمل عليه والإفادة منه حيث يمكن من خلال التواصل وتعميق الحوار بناء لوبيات ضغط داخل الولايات المتحدة تعمل على خدمة المصالح العربية ومنها مصالح الشعب السوري.
إن إدراك مدى قوة أمريكا اقتصادياً وتكنولوجياً وحجم أسواقها الكبير يمكن من تقدير حجم الخدمات الحقيقية لبرامجنا في عملية إعادة البناء, وفي هذا السياق من المفيد التذكير أيضاً بأهمية عدم حصر التوجه للإدارة الأمريكية بل علينا التوجه بالحوار أيضا نحو الشعب الأمريكي وبما يسمح بإقامة ونسج علاقات ودية تساعد في الضغط على الإدارة الأمريكية كيما تكون أكثر عدلاً وإنصافاً في سياساتها حيال قضايا المنطقة.
– ناصر الغزالي
إلى أي مدى يمكن للخارج التأثير على مسار التطورات من خلال الاستعانة بالداخل، وبالعكس؟.
– ميشيل كيلو
هذه إمكانية متاحة كاحتمال، لكنها ضعيفة جدا في الواقع، بسبب نظرة المعارضة السورية إلى أميركا وسياساتها. أما أوروبا، فلديها فرص أكبر للتأثير , لكنها محدودو بدوها.
– حبيب عيسى
يجب أن ندرك دون مواربة تأثير عصر العولمة والاتصالات المفتوحة، والأجواء المفتوحة على العلاقات بين الشعوب والأمم… فالداخل مؤثر بالخارج سلباً أو إيجاباً سواء بنقل صورة حقيقية عن هذا الداخل، أو بحمل رسالة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية لذاك الخارج، والداخل يتأثر أيضاً بما يحدث في الخارج سلباً كان أو إيجاباً… وبقدر ما يمتلك الداخل من قوى وإمكانيات ومعارف وإرادة بقدر ما يكون عصياً على الاستخدام من الخارج، وهو لم ولن يمتلك هذه المقدرة والإمكانيات إلا بقدر ما يمتلك من حرية وشفافية، وبقدر ما يتوفر للناس من حقوق أساسية ومشاركة في إدارة شؤون البلاد، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الداخل السوري يتعرض منذ سنوات طويلة لعمليات متتالية وممنهجة لإضعافه، تناوب على تنفيذها المستبدون من الداخل بالتضامن مع قوى الهيمنة من الخارج.
أريد أن أقول وبمنتهى الصراحة أن الاستبداد يسعى للإبقاء على الداخل ضعيفاً خائفاً مذعوراً لأن الاستبداد يعتمد على عنصرين أساسيين، الخوف من أجهزته البوليسية في الداخل أولاً، وعقد الصفقات مع مخططات قوى الهيمنة من الخارج ثانياً، وكذلك فإن قوى الهيمنة من الخارج تستند إلى عنصرين متقابلين، إما عقد صفقات مع أنظمة الاستبداد، وإنما العمل على التغيير لمصلحة مخططاتها وهذا يقتضي أيضاً الإبقاء على ضعف الداخل وإحداث التغيير من وراء ظهر هذا الداخل…
هنا يبرز الدور المطلوب الآن من قوى النهضة والتغيير وهو إعادة بناء القوى والأدوات السياسية والاجتماعية والنقابية والثقافية التي حطمها الاستبداد ليقوى هذا الداخل، وحتى يكون التغيير لصالح المشروع الوطني الديمقراطي وليس لمصلحة مستبد قائم أو طامع خارجي أو مستبد جديد، وهذا ما تحاول قوى النهوض الوطني فعله هذه الأيام رغم الظروف الصعبة وحالات الحصار الداخلي والخارجي.
في مواجهة تضامن هذه القوى السلبية من الداخل والخارج ونقصد قوى الاستبداد الداخلي وقوى الهيمنة الخارجية، لابد من بناء شبكات متطورة من العلاقات المتينة بين القوى الإيجابية من الداخل والخارج ونقصد بها قوى التغيير الإيجابي الديمقراطي في الداخل وقوى الديمقراطية والحرية في الخارج، وبقدر ما تتطور هذه الجبهة وتقوى بقدر ما يصبح الداخل أكثر قوة ومقدرة لإحداث التغيير من جهة، وتحصين الداخل في الوقت ذاته من الوقوع في براثن مخططات قوى السيطرة القادمة من الخارج.
ـ عبد العزيز الخير
من حيث المبدأ، يمكن للخارج والداخل أن يستعين كل منهما بالآخر للتأثير في مسار التطورات… ويمكن لكل منهما أن يحاول “استخدام” الآخر لهذه الغاية، ولدفع التطورات في الإتجاه الذي يتفق مع مصالحه؛ هذا نظرياً
أما عملياً فالأمر يتوقف إلى حد بعيد على جواب السؤال التالي: الاستعانة لتحقيق أية أهداف وبأية قوى وبأية كيفيات ووسائل؟
يجب أن يكون واضحاً أن الروح الوطنية مكون بالغ العمق من مكونات الثقافة السياسية للشعب السوري.ولهذا فهو ينظر بارتياب شديد بل ونفور إلى كل محاولة لفرض تغيرات أو تطورات عليه من خارج قواه ووعيه ومزاجه العام. ويدين مسبقاً من يقبل أي عون يبدو مغرضاً ويخفي تحت السطح ما يخفيه.
ولكن إذا كان ثمة دعم واستعانة تتم بالكيفيات المقبولة للشعب، ولتحقيق أهداف يطمئن بعمق إلى أنها تخدم مصالحه، فإن مدى التعاون الممكن يصير واسعاً،.
ولعل أهم ما يحتاج الداخل السوري للدعم فيه في هذه المرحلة هو الظفر بالحريات السياسية والإعلامية، التي تشكل بحد ذاتها جسراً لا بديل له نحو مستقبل ديموقراطي لسوريا، فعبرها وعبرها فقط يمكن توليد داخل سوري فعال ومؤثر ويستطيع التعاون بثقة مع القوى التي تلتقي مع مصالحه وأهدافه وفي خدمة المهمة السابقة يمكن للمعارضة السورية في الخارج ولعموم السوريين في المهجر وللقوى السياسية العربية الحية وللعالم المهتم أن يقدم دعماً بالغ الأهمية.
– ناصر الغزالي