مداخلة حول بيان حكومة د. مصطفى ميرو
الجمهورية العربية السورية
عضو مجلس الشعب
رياض سيف
ألقيت بتاريخ 29/05/2000
سيدي الرئيس السيدات و السادة الأعضاء…..
جاء بيان الحكومة جامعاً شاملاً ، لم يترك مجالاً من مجالات حياتنا الاقتصادية ،و الاجتماعيـــة و الثقافية و السياسية، إلا و توقف عندها ،و قدم وعداً بالدعم ، أو التحسين أو الإصلاح …فركز على بعضها.. مثل المعلوماتية و الإدارة ،و مر على بعضها الآخر مرور الكرام… مثل التجارة و الصناعة و النظام المالي و المصرفي .
أما مشكلة أشباه الرواتب فلم تحظى إلا بجملة واحدة في الصفحة رقم 2 و بشيء من الخجــل و هي عبارة ” التوازن بين الرواتب و الأسعار” ، و لا نعلم إذا كان المقصود من ذلك تخفيض الأسعار لتتناسب مع الرواتب !! أو زيادة الرواتب لتتناسب مع الأسعار !!
كما أن البيان تجاهل معضلة أخرى هي من نتاج معضلة أشباه الرواتب ،ألا و هي ظاهرة الفساد مع أننا كنا نتوقع أن يخصص في البيان جزءاً هاماً، يقف على حجم ظاهرة الفساد ،و منابعــــها و مخاطرها و برنامج الحكومة للقضاء عليها .
بصورة عامة فان بيان الحكومة ،يؤكد أنها تملك رؤية واضحة لمواطن الخلل ،و كل ما يجب إصلاحه، و لكن الذي لم يتطرق له البيان ،هو آلية برنامج الإصلاح ،و مصادر التمويل اللازمة لتنفيذه و الفترة الزمنية التي سوف ينجز خلالها .
إنه لمن البديهي أن عملية الإصلاح الشاملة ،و التطوير و التحديث ،لا بد لتنفيذها من توفر عناصر كفؤة و خبيرة تؤمن بالهدف و تتحمل المسؤولية ،و لا بد أن يتوفر لها الحافز المادي و المعنوي اللازم لتفجير طاقاتها و إبداعاتها ، و لكننا لا نرى في البيان ما يشير الى تلك الحوافز و خاصة المادية منها
لقد تم إقرار موازنة العام الجاري ،دون أن نلحظ أي اعتمادات إضافية لتصحيح بنية الـرواتب و يستعصي على الفهم تحقيق أي نجاح في إصلاح القضاء ،و التعليم ،و الشرطة ،و تطوير البــحوث، و تبني المعلوماتية، و بناء تكنولوجيا متطورة ، بما ندفعه من رواتب للعاملين في تلك المجالات حاليــاً، و يجب أن لا يغيب عن بال الحكومة أن ما ندفعه من أشباه الرواتب ،سوف لن يعطينا إلا أشباه العمل و إن أشباه العمل ،غير كاف لتحقيق الأهداف الواردة في البيان ،كما أن أشباه الرواتب ستبقى الأرض الخصبة لنمو الفساد و استفحال البيروقراطية ، و تخلف الخدمات ،و هدر الثروات البشرية و المادية.
إن جلب الاستثمار و توفير فرص العمل ،و زيادة الصادرات ،هي أهداف ركز عليها بيان الحكومــة و لكني أستغرب إن كانت الحكومة مقتنعة ،بأن المرسوم رقم 7 المعدل للقانون رقم 10 قادر بمفرده على تأهيل سورية ،لدخول منافسة متكافئة، في سوق جذب الاستثمار ،مع استمرار قوانينها التجارية و المالية المتخلفة ،و استمرار الفساد و البيروقراطية ،و غياب المناطق و المدن الصناعية ،و الخدمات المصرفيـــة
و سوق الأوراق المالية و غيرها ،من متطلبات جذب الاستثمار .
ما زال الشعب ممثلاً بسلطته التشريعية مغيباً عن المشاركة في إصدار القوانين ،و التي ما زالت تصدر كأوامر ، أو قرارات غير قابلة للتعديل ،فتصيب حيناً و تخطأ حيناً أخر … مثل المرسوم رقم 4 الذي عدل المرسوم 37 الرهيب الصادر عام 1966 و الذي سمي بقانون العقوبات الاقتصادية، حيث يتيح هذا القانون سجن أي مواطن حتى السنتين لمجرد إلصاق تهمة الإهمال غير المتعمد ، أو التقصير في أداء الواجب، و كل ما جاء في التعديل هو مراعاة التضخم حيث رفع مبلغ الألفي ل.س في المرسوم 29 المعدل للمرسوم 37 إلى 100.000 ل.س في المرسوم رقم 4 لعام 2000.
تتمتع الحكومة في سورية بصلاحيات واسعة ، كما أنها من أسعد الحكومات في العالم ،حيث لا أحزاب معارضة تؤرقها ،و لا إضرابات عمالية تحرجها ، و لا سلطة قضائية تحكم ضدها ،و لا سلطة تشريعية تراقبها،و لا صحافة فضولية تفضح أخطاءها ، و إن هذا المناخ الذي يتوفر للحكومة هو مناخ لا بد أن يسبب الاسترخاء و الكسل و اللامبالاة كما يشكل بالضرورة أرضاً خصبة لنمو الفساد .
لا أريد أن احكم بشكل مسبق على الحكومة الجديدة ، التي أبدت خلال الأشهر الأولى من عملها، نشاطاً و حيوية متميزين، و لكني أطالب من أجل تحصين هذه الحكومة كعلاج وقائي ،كي لا تنزلق فيما انزلقت إليه الحكومة السابقة ، بإعادة الأمور الى نصابها، من خلال فصل السلطات ، فنعيد للسلطة التشريعية دورها الفاعل ،و للسلطة القضائية استقلاليتها ،و للإعلام حياديته ،و كذلك تحويل تبعية الهيئة المركزية للرقابة المالية ،من وزارة المالية ، و إلحاقها برئاسة الجمهورية أو مجلس الشعب ، حيث لا يعقل أن تراقب هذه الهيئة أعمال وزارة المالية ، التي هي جزء منها ، و بهذه الطريقة فقط يمكننا تحصين الحكومة الجديدة ضد الأمراض التي أصيبت بها الكثير من الحكومات السابقة ، وكلفت و تكلف شعبنا ثمناً غالياً بات عاجزاً عن تحمل المزيد منها .