لماذا التعتيم على عقود الخليوي

الجمهورية العربية السورية
مجلس الشعب

رياض سيف

خاص مفهوم
دمشق في 23/5/2001

تبين هذه الدراسة أن صفقة الهاتف الخليوي تتيح للشركة المتعاقدة جني أرباح تزيد عن (346.8) مليار ل.س، بعد استرداد كامل رأسمالها. وفي الطرف المقابل، فإن الشعب السوري يضيع (346،8) مليار ل.س، ويُفرض عليه التخلف التكنولوجي وضياع فرص الاستثمار المبني على الشفافية والمنافسة الحرة والنزيهة.

قبل أكثرمن سنة، أثير موضوع العقد التجريبي للخليوي من قبل أحد الأعضاء، ثم تلاشى هذا الصوت حتى بضع أشهر خلت، حيث اشتكى أحد المطلعين من غبن كبير يلحق بمصلحة الدولة نتيجة العقود الدائمة لاستثمار نشاط الخليوي في سورية لخمسة عشر عاماً. وفي دورة شباط الماضية طالب أحد الزملاء بإلحاح ضرورة أن تأتي الحكومة لتقوم بتوضيح الشكوك والتساؤلات المثارة حول عقود الخليوي. وبعد طول مماطلة، جاءت الحكومة في 26/3/2001ممثلة بنائبي مجلس الوزراء ووزير المواصلات الذي قدم صورة عن عقود الخليوي توحي بقانونيتها، مؤكداً أنها أفضل ما يمكن لسورية أن تحصل عليه في هذا المجال، كما أكد نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد في نفس الجلسة أن كل مراحل العقود قد تمت حسب الأصول وبمنتهى الشفافية، وأنه لا شيء تحت الطاولة ومن يريد من الأعضاء الاطلاع على أية وثائق فإن بابه مفتوح. حاولت الحكومة في نفس الجلسة إغلاق باب النقاش بعد أن اقتنع العضو صاحب السؤال بما جاء في رد الوزير. ولكن إصرار بعض الزملاء وكنت واحداُ منهم بضرورة فتح النقاش، جعل رئيس المجلس يمتثل لذلك، فقدمت مداخلة شفهية مبيناً أن ما يضيع على الدولة من تلك العقود يزيد عن (200) مليار ل.س، وطالبت بعدم إغلاق هذا الملف، كما حذرت من أن تكون تلك الجلسة قد عقدت لإعطاء الصفة الشرعية لتلك العقود.

بعد طول انتظار، حصلت على موعد مع نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الاقتصاد، أعاد فيه تأكيد ثقته بنزاهة العقود، وعندما سألته عن إمكانية حصولي على الوثائق المطلوبة أحالني إلى وزير المواصلات الذي حاول بدوره إقناعي بأنه لا أساس لما يساورني من شكوك، وعندما طلبت الوثائق أبدى ممانعة شديدة ونصحني بالكف عن متابعة هذا الموضوع.

في 16/4/2001، نشرت صحيفة الدومري مقالاً تحت عنوان “الوجه الآخر لمشروع الخليوي بالأرقام” يتضمن أرقاماً مضللة وأسلوب مراوغ يوحي للقارئ بقانونية العقود ونزاهتها، وجاء فيه أن شركة الخليوي وبعد تحملها كل المصاريف الكبيرة سوف تدفع ما نسبته 82% من أرباحها الصافية كضريبة للدخل. وعندما قدم أحد الاقتصاديين المهتمين رداً على هذا المقال للصحيفة، رفضت نشره دون أن تعطي أي مبرر لذلك. وفي يوم الاثنين تاريخ 7/5/2001، نقل التلفزيون السوري المناقشات التي تم فيها طرح موضوع الخليوي في المجلس، وفوجئت بحذف مداخلتي، مما زاد في شكوكي حول نزاهة تلك الصفقة، وحفزني على فتح ملف جمعت فيه ما استطعت من ملفات ووثائق، أوصلتني في النهاية إلى قناعة بأن هناك ضرراً بالغاً لاقتصادنا الوطني يتمثل بخسارة مئات مليارات الليرات السورية والتسبب بمزيد من التخلف التكنولوجي في مجال الاتصالات وإساءة خطيرة إلى سمعة الاستثمار في سورية. وفيما يلي توضيح لتلك الأضرار.

الأضرار المادية:

أصبح نشاط الهاتف الخليوي في السنوات الأخيرة يشكل أحد أهم موارد خزينة الدولة، نظراً لانخفاض تكاليف إنشاءه وارتفاع مدا خيله، مما جعل الشركات العالمية تدفع مبالغ طائلة لمجرد الحصول على ترخيص لدخول السوق. وبعد طول انتظار، دخلت خدمة الخليوي إلى سورية عن طريق فاعل خير قدم مجاناً التجهيزات اللازمة لتشغيل (60) ألف حط. وعلى الرغم من الخدمة السيئة، فإن هناك ما يكفي من الأعذار لكونها مرحلة تجريبية. وشاءت الصدف أن تحظى الشركة فاعلة الخير بعقود دائمة تمكنها من بيع (1،7) مليون خط واستثمارها لخمسة عشر عاما، مع إعطاءها حق احتكار كامل السوق السورية للسنين السبعة الأولى من العقد مقابل دفعها(2) مليار ليرة سورية كدفعة مقدمة، وتنازلها عن 30% من واردات المكالمات للسنين الثلاثة الأولى، و 40% للسنين الثلاثة اللاحقة، و50% لباقي سنين العقد التسعة.

وللمقارنة فقط فإن شركتي الخليوي العاملتين في لبنان قدمتا عرضاً للحكومة لدفع (135) مليار ل.س. كبدل لرخصتين مع احتفاظ الحكومة اللبنانية بحقها في إدخال شركة ثالثة لاحقاً، إي أن إجمالي ما تحققه الدولة يمكن أن يصل بعد دخول الشركة الثالثة إلى (200) مليار ل.س. كدفعة مقدمة مقابل الترخيص، بينما تدفع شركة الخليوي في سورية مقابل احتكار كامل السوق السوري(2) مليار ل.س. فقط.

وإذا أخذنا مثالاً آخر كالمغرب، فإننا نرى أن الحكومة المغربية قد باعت 35% من شركة اتصالات المغرب الحكومية بمبلغ (110) مليار ل.س، كما باعت ترخيص لشركة ثانية للهاتف الخليوي ب (55) مليار ل.س بفترة راحة أربع سنوات فقط تبيع بعد انقضائها ترخيصاً آخر لشركة ثالثة والذي يتوقع أن تزيد عائداته عن ما حصلته من الشركتين السابقتين. والجدير بالذكر أن الحكومة المغربية تتقاضى ضريبة قيمة مضافة 20% عن كل نشاطات الاتصالات، كما تفرض على الشركات المرخص لها المساهمة بنسب معينة في عمليات التنمية والحفاظ على البيئة.

أما إذا أخذنا مثالاُ من إحدى الدول الصناعية الكبرى، فنجد أن ألمانيا قد حصلت مؤخراً على دفعة نقدية بلغت (2250) مليار ل.س. مقابل بيع الترددات للجيل الثالث من الخليوي لجزء من السوق الألماني.

إيرادات شركة الخليوي:

بناء على التعرفة المطبقة حالياً لاستخدام الهاتف الخليوي، فإن موارد الشركة تتألف من: استيفاء (20) ألف ل.س كدفعة أولى عن كل خط + رسم شهري مبلغ

 (600) ل.س + رسم خدمات وميزات دائمة (300) ل.س شهرياً + رسوم خدمات أخرى + تأمين مكالمات محلية (2500) ل.س + تأمين مكالمات دولية (25) ألف ل. س، بالإضافة إلى حصتها من أجور المكالمات وبنسبة 70% للسنين الثلاثة الأولى و60% للسنين الثلاثة الثانية و50% للسنين التسع الأخيرة، بعد أن تم تحديد أجرة كل دقيقة (4) ل.س من خليوي إلى خليوي، و(6) ل.س من خليوي إلى ثابت أو من ثابت إلى خليوي، تتقاضى منها شركة الخليوي(3) ل.س بينما تعود ال(3) ل.س الباقية إلى  مؤسسة الاتصالات. أي أن دخل شركة الخليوي لا يقتصر على فواتير المشتركين بالخليوي وإنما يشمل كل المشتركين بالهاتف الثابت الذين يتكلمون مع مشتركي الهاتف الخليوي.

ولحساب واردات الشركة من بنود الدخل التي ذكرناها، ننطلق من أن بيع (1،7) مليون خط المتعاقد عليها يستغرق ست سنوات كما هو مبين في الجدول، وهذا ممكن من حيث المبدأ إذا علمنا أن عدد خطوط الخليوي المباعة في المغرب حتى الآن (4) ملايين خط وتتوقع الحكومة المغربية أن يصل العدد إلى (10) ملايين خط في نهاية عام 2007، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان المغرب هو (30) مليون نسمة، وأن متوسط دخل الفرد في المغرب لا يختلف عنه كثيراً في سورية. وعلى هذا الأساس يمكننا حساب مجموع إيرادات الشركة على الشكل التالي:

1-الدخل الناتج عن الدفعة الأولى لبيع (1،7) مليون خط:

 (1،7) مليون x (20) ألف ل.س = (34) مليار ل.س، يضاف لهذا المبلغ الدخل الناتج عن إعادة بيع الخطوط التي يتنازل عنها أصحابها لأي سبب من الأسباب، وكذلك رسم إعادة الاتصال البالغ (2500) ل.س لكل حالة.

2- الدخل الناتج عن استثمار مبالغ التأمين:

 تستوفي الشركة عن كل خط (2500)ل.س كتأمين للمكالمات المحلية، وهذا ما يمكنها من جمع (4،25) مليار ل.س بعد بيع (1،7) مليون خط، وكذلك المبلغ التي تجمعها كتأمين للمكالمات الدولية ب (25) ألف ل.س عن كل خط، وإذا قدرنا أن 20% من المستثمرين يستخدمون المكالمات الدولية في الخليوي، يكون هذا النوع من التأمين (8،5) مليار ل.س، ليصل مجموع مبالغ التأمين إلى (12،75) مليار ل.س.

3- الدخل الناتج عن رسوم الاشتراكات الشهرية:

 والمحدودة ب(600) ل.س للخط الواحد و(300) ل.س رسوم خدمات وميزات دائمة والتي تصل حصيلة الدخل الناتج عنها خلال خمسة عشر عاماً مبلغاً (231) مليار ل.س، (أنظر الجدول)، دون أن نأخذ بعين الاعتبار الدخل الناتج عن الميزات الخاصة.

4- الدخل الناتج عن أجور المكالمات:

 ننطلق من اعتبار متوسط استعمال الخليوي (360) دقيقة في الشهر، علماً أن متوسط الاستعمال الحقيقي في لبنان وصل إلى (720) دقيقة في الشهر. ويكون بذلك متوسط فاتورة الخليوي الشهرية: (360) دقيقة x (4) ل.س = (1440) ل.س. يضاف إلى ذلك الفواتير التي يدفعها مشتركي الهاتف الثابت عندما يتكلمون مع مشتركي الخليوي والتي نقدرها بمتوسط (4) دقائق في اليوم بسعر (3) ل.س للدقيقة أي (360) ل.س شهرياً. ويكون بذلك مجموع أجور المكالمات الشهرية عن كل رقم خليوي (1800) ل.س، ليصبح مجموع الدخل الناتج عن أجور المكالمات لفترة خمسة عشرة سنة هو (462) مليار ل.س، حصة الشكة منها (248،9) مليار، وحصة الدولة (213،6) مليار، كما هو مبين في الجدول.

حصة الدولة من أجور المكالماتدخل الشركة من الاشتراكات والمكالمات/مليار ل.س.حصة الشركة من أجور المكالمات/مليار ل.س.إجمالي دخل أجور المكالمات/مليار ل.س.دخل الشركة من الاشتراكات الشهرية/مليار ل.س.عددالخطوط المباعة/(ألف خط)نسبة الإشغالالسنة
2.28.25.1407.3443.0634020%أولى
4.416.410.28114.6886.1268040%ثانية
6.624.615.42222.0329.181.02060%ثالثة
10.326.115.42225.70410.711.19070%رابعة
11.730.117.62529.37612.441.36080%خامسة
13.233.619.82833.04813.771.53090%سادسة
165.2318165.240330.4801531.700100%9سنين
213.6457248.958462.672231.336المجموع

توزع حصيلة الواردات من نشاط الهاتف الخليوي على الشكل التالي:

حصة الدولة: تبلغ كما هو مبين في الجدول(213) مليار ل.س طيلة مدة العقد وبمعدل سنوي قدره (14،2) مليار ل.س.

حصة الشركة: تتألف من الدخول التالية:

1- حصيلة بيع الخطوط:

 (1،7) مليار x  (20) ألف = (34) مليار، يضاف إليها حصيلة بيع الخطوط المرتجعة والذي يقدر أن يصل إلى 20%على مدى خمسة عشر سنة، ليصل مجموع دخل بيع الخطوط إلى ما يقارب (40) مليار ل.س.

2- الاشتراكات الشهرية:

 يصل مجموعها خلال الخمسة عشر سنة (231) مليار ل.س.

3- حصة الشركة من أجور المكالمات:

 والبالغة (248) مليار ل.س عن خمسة عشر عاماً.

4- الاستفادة من فوائد التأمين:

 والذي تبلغ مجموع مبالغه (12،75) مليار ل.س، وبفائدة سنوية تقدر ب 9%، ليوفر دخلاً للشركة يقدر ب (10) مليار ل.س لفترة الخمسة عشر سنة.

وبذلك يكون مجموع حصة الشركة من الإيرادات حسب الأسعار الحالية (529) مليار ل.س.

إن ما توصلنا إليه من دخل للشركة يبقى نظرياً، حيث ينطلق من افتراض نجاح الشركة ببيع (1.7) مليون خط خلال ست سنوات وضمن لائحة الأسعار التي تطبقها حالياً. ولكن التوقعات تدل على عدم إمكانية تحقيق ذلك، وأنه يتوجب على الشركة إذا ما أرادت تحقيق مبيعات (1،7) مليون خط خلال ست سنوات، أن تعيد النظر بلائحة أسعارها. ويمكننا وضع افتراض أقرب إلى المنطق، بأن تخفض الشركة مبلغ الدفعة الأولى إلى الربع أي (5000) ل.س فقط، وتخفيض مبلغ الرسوم الشهرية ورسوم الميزات الدائمة إلى النصف، وأن نلغي استيفاء مبالغ التأمين على المكالمات المحلية والخارجية.

وبذلك يكون مجموع حصة الشركة بعد تنزيل الأسعار:

 (10) + (115) + (248) = (373) مليار ل.س، موزعة على خمسة عشر سنة.

النفقات المقدرة:

نظراً لعدم حصولنا من الحكومة على أية أرقام دقيقة عن تلك النفقات، فإننا سنعتمد على تقديرات بعض الخبراء المختصين، ومقارنة بما نملك من معلومات عن تجارب مماثلة في بعض الدول العربية.

تكاليف إقامة الشبكة من تجهيزات ومقاسم: من المعروف أن تشغيل الهاتف الخليوي يعتمد أساساً على تجهيزات البنية التحتية لشبكة الهاتف الثابت، وأن تكاليف الإضافات الضرورية لتشغيل الخليوي هي منخفضة جداً إذا ما قيست بتكاليف بناء شبكة الهاتف الثابت. ولذلك نرى أن مصر قد باعت كامل التجهيزات الخاصة بالخليوي التي تغطي كامل مساحة مصر بمبلغ (3،9) مليار ل.س عندما خصصت الشركة. ويقدر بعض الخبراء أن مجموع التكاليف الخاصة بالخليوي لتخديم (1،7) مليون خط في سورية لا تزيد في حدها الأقصى عن (15) مليار ل.س إذا تم تجهيزها بأفضل أنواع التجهيزات والمقاسم العالمية.

مصاريف التشغيل: يقدر الخبراء أن عدد الموظفين المباشرين اللازم لتشغيل (1،7) مليون خط ب (1700) موظف دائم، بالإضافة إلى الوكلاء والعمال الغير دائمين، وتقدر أجور العاملين وتكاليف التشغيل والصيانة ب (500) مليون ل.س سنوياً على أبعد تقدير، أي (7،5) مليار ل.س لمدة خسة عشر سنة.

مصاريف التسويق: إذا قدرنا أن الشركة تدفع عن تسويق كل خط ب(1000) ل.س، فيكون مجموع العمولات (1،7) مليار ل.س.

الدفعة المقدمة: حسب ما جاء في العقد، فإن الدفعة المقدمة عند توقيع العقد هي(40) مليون دولار، أي ما يعادل (2) مليار ل.س.

مجموع نفقات الشركة: (15)+(7،5)+(1،7)+(2)=(26،2) مليار ل.س.

أرباح الشركة حسب الأسعار الحالية:

(529)-(26،2)=(502،8) مليارل.س.

أرباح الشركة بعد التخفيضات لمقترحة:

 (173)-(26،2)=(346،7) مليار ل.س.

إن تحقيق الشركة لأرباح صافية تبلغ (346)مليار ل.س، هو رقم منطقي وينسجم مع ما تحققه الدول الأخرى، كما نوهنا سابقاً.

إن ما توصلنا إليه من حجم الخسائر المادية التي يتكبدها الاقتصاد السوري نتيجة هذه الصفقة، هو ليس بالخسارة الوحيدة، بل إن هناك أضراراً أخرى لا تقل عنها خطورة وأهمية تتمثل بالنقاط التالية:

التخلف التكنولوجي:

جاء في كلمة وزير المواصلات في مجلس الشعب بتاريخ 26/3/2001، ” أن التأخر في سورية في خدمة الهاتف الخليوي كان لخير، حيث أتاح لنا الاستفادة من خبرات من سبقونا”‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‍؟‍ وعلى نفس المبدأ كان تأخير خدمات الفاكس في السنين السابقة، حيث لم يستفد السوريون من خدمات الفاكس إلا بعد أن بدأت الدول المتقدمة بتركه منتقلة إلى خدمات الe-mail  وكذلك التأخير في إدخال خدمات الإنترنت التي سبقتنا إليها كثير من الدول العربية بأشواط كبيرة. وعلى الرغم من أن سورية قد انضمت إلى اتفاقية اعتماد المواصفات الفنية والمعيارية لنظام GSM الذي يطلق عليه الجيل الثاني من الخليوي في عام 1993وقبل الكثير من الدول العربية الأخرى مثل لبنان ومصر والمغرب، إلا أن إدخال هذه الخدمة قد تأخر حتى عام 2000 وبشكل تجريبي وخدمات متواضعة، علماً أن الجيل الثالث من الخليوي قد بدأ وضعه في الخدمة مؤخراً. ومن المؤسف أن نبقى متخلفين بأشواط عن ركب تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية. فبينما احتلت الإمارات العربية المرتبة (25) عالمياً في سلم الدول الأكثر تطوراً في هذا المجال كما يشير المؤشر الدولي المسمى ” مجتمع المعلوماتية ” عن عام 2000، وأتت السعودية في المرتبة (41)، والأردن في المرتبة (49)، ومصر في المرتبة (50)، بينما بقيت سورية خارج التصنيف مع قائمة الدول الأقل تطوراً في هذا المجال في العالم. ويأتي عقد الخليوي ليكرس هذا التخلف حين يعطي حق احتكار السوق السورية بشكل كامل حتى عام 2008، مما يعني أن دخول الجيل الثالث من الخليوي سوف يؤجل لسبع سنوات على الأقل، تكون خلالها كل الدول الأخرى قد استفادت من هذا النظام الجديد الذي سوف يلعب دوراً كبيراً في تطور اقتصاديات العالم، لأنه يجعل الاستفادة من خدمات الإنترنت في متناول الجميع.

كما أن اعتماد نظام الBOT المعتمد في عقد الخليوي يكرس هذا التخلف، حيث أن نظام الBOT يعني أن يقوم المتعاقد ببناء المشروع(Build)، ثم يشغله ويستثمره لمدة يحددها العقد (Operate)، ثم يعيده للدولة بعد انتهاء مدة العقد(Transfer). وإن هذا النظام تعمل به الدول التي تحتاج إلى إقامة بنية تحتية دون أن تملك الأموال اللازمة لذلك. وغالباً ما يستخدم في بناء الموانئ والمطارات والطرق السريعة وبعض المشاريع المماثلة. أي أن هذا النظام يصلح فقط للمشاريع التي يمتد عمر استخدامها لعشرات السنين. وبما أن مشاريع الاتصالات الحديثة تعتمد بشكل كامل على تقنية المعلوماتية التي تتطور بسرعة فائقة فإن استخدام هذا النظام فيها ليس له ما يبرره، خاصة وأننا على اطلاع كامل على التجربة غير الناجحة لهذا النظام في لبنان، والذي أدخل خطأ إلى النظام فيها ليس له ما يبرره، خاصة وأننا على اطلاع كامل على التجربة غير الناجحة لهذا النظام في لبنان، والذي أدخل خطأ إلى نشاط الخليوي، وتعمل الحكومة اللبنانية جاهدة للتخلص منه والانتقال إلى نظام بيع الترخيص. ومن المعروف عالمياً، أنه لم تُقدم أي من الدول في العالم في السنين الخمسة الأخيرة على اعتماد نظام الBOT في نشاط الهاتف الخليوي. وإذا ما وضعنا بين أعيننا المصلحة الوطنية، فإنه يستعصي علينا فهم اعتماد مبدأ الBOT في سورية عام 2001، إلا من خلال عملية تواطؤ تعفي الشركة المتعاقدة من دفع

(200) مليار ل.س في حال اعتماد نظام الترخيص والاكتفاء ب(2) مليار فقط.

وإن عدم امتلاك شركة الخليوي للخبرة يظهر جلياً بسوء الخدمات التي تقدمها حالياً والتي أصبحت حديث المجتمعات، بينما تنعم شعوب الدول الأخرى بخدمات متطورة تتحسن باستمرار.

الإساءة إلى سمعة الاستثمار في سورية:

إن من أهم شروط الاقتصاد العالمي الجديد هو تأكيده على مبدأ المنافسة الحرة والمتكافئة على المستوى العالمي في كل المشاريع الاستثمارية بما فيها المناقصات التي تطرحها الدولة. وهذا ما أجبر الحكومة المصرية فور انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، على تخصيص نشاط الاتصالات في مصر عبر تخصيص جزء من المؤسسة الحكومية للاتصالات وإعطاء شركة أخرى حق الامتياز بالعمل في هذا المجال، وإدخال شركة ثالثة منعاً للاحتكار، مع ضمان حق المنافسة في مناقصات تطرح على المستوى العالمي بكل شفافية.

تدل المعلومات المتوفرة والموثوقة أن عقود الخليوي، موضوع حديثنا، قد تمت بعيداً عن أية شفافية، حيث فصلت وبتخطيط مسبق، على قياس الشركين الفائزتين بالعقد اللتين تشير الدلائل على أنهما في الحقيقة شركة واحدة. حيث أن شروط المناقصة قد وضعت بحيث يتعذر على الشركات الأخرى الوفاء بها، كما مورست ضغوط مختلفة لمنع شركات أخرى من الفوز بالمناقصة. وهذا ما تثبته بعض الوثائق.

ونتيجة للحساسية البالغة لموضوع الاستثمار في العالم ككل، ونتيجة توجه الأنظار في الفترة الأخيرة على برنامج الإصلاحات الاقتصادية في سورية من قبل المستثمرين العرب والأجانب، فإن هذه الصفقة الاحتكارية سببت أضراراً لمصداقية مناخ الاستثمار المنتظر في سورية، مما يمنع المستثمرين الكبار من المجازفة بالاستثمار في سورية بسبب الصبغة الاحتكارية التي تغلب على هذا المناخ.

خصخصة الاقتصاد الأكثر ربحاً:

أكدت برامج الاصلاح الاقتصادي المطروحة في السنة الأخيرة على عدم خصخصة القطاع العام، بل إصلاحه وتوسيعه، وتم اعتبار كل من يطرح فكرة الخصخصة معادياً للثوابت الأساسية ومشكوكاً في نواياه، حتى لو كانت المطالبة بالتخلص من أكثر شركات القطاع العام عجزاً وتكبداً للخسارة وذلك بذريعة مراعاة العوامل الإجتماعية التي تقضي بعدم تسريح العاملين في الدولة لأي سبب كان. ولكننا نفاجئ بخصخصة أكثر القطاعات الاقتصادية في الدولة ربحاً على الإطلاق دونما ضجيج ومقابل عوائد رمزية لا علاقة لها بقيمته الحقيقية، في الوقت الذي نجد الكثير من الدول التي تعتمد نظام الاقتصاد الحر، تحتفظ لنفسها بحق استثمار هذا القطاع الاقتصادي الرابح بشكل كامل.

إن المبررات التي طرحها وزير المواصلات لتخصيص النشاط الخليوي بعدم توفر الأموال اللازمة في موازنة الدولة للإستثمار في هذا النشاط الرابح هي مرفوضة، وعندما نعلم أن الشركة الفائزة بعقد الخليوي لا تحتاج لأي رأس مال لأنها تتقاضى من المواطنين دفعات فورية ودخل سريع تزيد عن ما تستثمره في توسيع الشبكة وما تدفعه من مصاريف للتشغيل.

ونستنتج من كل ما سبق، إن عقود الخليوي كانت هدية تزيد قيمتها عن

(200) مليار ل.س بدون مقابل للشركة المتعاقدة على حساب الشعب السوري، والذي يحمل مئات الآلاف من أبناءه للحصول على وظيفة لا يزيد دخلها بالمتوسط عن (4000) ل.س شهرياً، وفي الوقت الذي باتت شريحة عريضة من المواطنين ترزح تحت خط الفقر.

                     رياض سيف