دعوة إلى تكليف رياض سيف بتشكيل حكومة سورية

من السجن إلى الحكم: المصالحة الوطنية

شفاف الشرق الاوسط 28.05.2005

د, عبد الرزّاق عيد

منذ اعتقال العشرة الفضلاء، وبيانات التنديد وعرائض التضامن من خلال التوقيع عليها تترى لكن دون فائدة ترجى. إذ تم الإفراج عن المناضل الكبير رياض الترك بعد سنة ونصف تحت ضغط المجتمع الدولي تماما كما حدث في المرة الاولى من سجنه بعد 18 سنة، في الوقت الذي تم الإفراج عن المعتقلين الآخرين الدكتور محمد كمال اللبواني وحبيب صالح وحسن سعدون بعد أن قضوا فترة حكمهم الصادر عن محكمة أمن الدولة.

بينما بقي الآخرون: البرلمانيان رياض سيف ومأمون الحمصي، والخبير الاقتصادي الدكتور عارف دليلة والدكتور وليد البني والاستاذان حبيب عيسى وفواز تللو، وراء القضبان بانتظار قضاء محكومياتهم، علما أن محكومية د. عارف دليلة 10 سنوات، وأن الدكتور عبد العزيز الخير لا يزال ينتظر حكم عشر سنوات بعد أن قضى 15 سنة في السجن.

كل ذلك لم يجد ولن يجدي ما دام النظام الحاكم أخرج المجتمع من معادلة موازين القوى من حساباته، حيث لم يعد ينصاع الا لعوامل الضغط الخارجية، التي غدت هي المعوّل عليها –مع الأسف- في استغاثة المجتمع لفك سراحه، بعد أن ظهر أن المراهنة على التضامن الداخلي (الأهلي والمدني) غير فاعلة بدون حملات التضامن الدولية مثل: تدخل البرلمان الأوربي –كما حصل في حالة الإفراج عن رياض الترك- والبرلمانات العالمية، وهيئات ومؤسسات المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان. إذ غدا الإستنجاد بالضمير العالمي على ظلم ذوي القربى ضرورة لإيقاف هذه المأساة التي لا يزال مسلسلها جاريا منذ ثلاثة عقود حتى اليوم وفي كل يوم من قبل (الأهل والأخوة وبني القوم في المخابرات). حيث غدا من الرعب العيش في سوريا إذا وقف العالم متفرجا علينا: والناس في كل يوم بين معتقل أو مخطوف: إذ أربعة مخطوفين خلال أيام (العلامة الكردي الدكتور معشوق الخزنوي، الناشط في لجان احياء المجتمع المدني علي العبدالله، المهندس نزار رستناوي وأخيرا رئيس الجمعية العربية لحقوق الإنسان محمد رعدون من مكتبه، واعتقال لجنة منتدى الاتاسي). (والخطف ابداع بعثي عراقي شقيق بامتياز) يستدعي تنبه المجتمع الدولي لكي يتدخل من أجل الضغط لإنهاء هذه الصفحة المأساوية السوداء في تاريخ سوريا وحاضرها، وليس الضغط من أجل ارضاء اسرائيل و(مصافحتها). فعلى المجتمع الدولي أن يخشى على الشعوب العربية من حكامها وليس على اسرائيل القادرة على بث الرعب في قلوب كل الطغاة العرب (الأشاوس على شعوبهم). بل إن هذه الصفحة السوداء ستلف مستقبلها (سوريا) بدون استفاقة الضمير العالمي لوضع حد لشراسة (الأخوة الأعداء: المخابرات) على اخوتهم العزل. إذ هم يتغولون على مجتمعاتهم الأسيرة بدون رادع استشعار الأخوة والبنوة الممتدة إلى أرومة الأمة التي طالما نافح الخطاب القومي البعثي باسمها، وتدله على بني قومه بأمجادها الغابرة وهو يقزم احساسهم بأناهم الفردية والانسانية باسم أناه القومية السادية.

 ولهذا فإن الحياة السياسية في سوريا باتت تستشعر درجة خطر عدم الشعور بالمسؤلية لدى القوى النافذة السادرة في غيها وطيشها وبطشها ومصالحها المافيوية التي تعمي بصرها وبصيرتها، دون أن تتعلم مما يدور حولها من دوائر، سالكة سياسة حافة الهاوية، دون استبطان واستكناه مغزى حقيقة إن كان ثمة حافة في لبنان تؤمن الإنسحاب الى سوريا، لكن ليس ثمة حافة لهاوية الجغرافيا السياسية لسوريا سوى حافة العراق وزلزاله !

ولهذا فمع كل النداءات التي بدأها التجمع الوطني الديموقراطي المعارض بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطني، وصولا الى نداء الأخوان المسلمين الذي يعضد دعوة التجمع ويندرج في مجموع توافقات مكوِّنات المعارضة الديموقراطية السلمية في سوريا حول المسارعة لعقد مؤتمر الإنقاذ هذا، فإن فكرة باتت تطوف فضاءات الحياة السياسية والثقافية في سوريا مفادها أهمية قيام حركة أو تجمع أو حزب أو تيار ليبرالي، يشكل ساحة لقاء لكل أطياف الحركة الديموقراطية.

وقد بدأت هذه الفكرة-فكرة حزب ليبرالي- تترجم نفسها عبر مقالات تتميز بالنضج والوضوح النظري والفكري والسياسي كان قد كتبها في جريدة الحياة وائل سواح، ثم أعقبها الاعلان عن قيام تجمع ليبرالي سرعان ما شتت شمله باعتقال بعض مشهريه (نبيل فياض وجهاد نصره)، وانتهاء بمبادرة أحد الفضلاء العشرة من معتقلي ربيع دمشق الذي قضى محكوميته (3 سنوات) وهو الدكتور كمال اللبواني، الذي تقدم بمشروع وثيقة تأسيسية لقيام “تجمع ديموقراطي ليبرالي”.  ونظرا لتقديرنا لهذه المساهمات بوصفها الأطروحات الأكثر استجابة للحظة السورية الراهنة، انطلاقا من الفكرة التاريخانية القائلة: إن المجتمع لا يطرح على نفسه سوى الأسئلة القابلة للحل، فإننا نرى أن الأسئلة الليبرالية الديموقراطية التي طرحتها مجموع هذه المساهمات انما هي الأسئلة المنتجة لوعي مطابق بحاجة المجتمع السوري اليوم وفي الأفق المنظور وطنيا وعربيا ودوليا.

نظن أن الخط الليبرالي الديموقراطي المعبر عنه بهذه المساهمات يتقاطع مع الوثيقة الأساسية للجان إحياء المجتمع المدني التي كانت بمثابة منصة الاعلان النظري الفكري والسياسي عن هذا الأفق منذ الأربع سنوات.

كما أن وثائق وبرامج وأدبيات حزب الشعب الديموقراطي (الحزب الشيوعي المكتب السياسي” رياض الترك”)، و(حزب العمال الثوري “ياسين الحافظ”) يمكن أن تنتج تقاطعات حاسمة مع البرنامج الليبرالي الديموقراطي كبرنامج وطني ديموقراطي مرحلي انتقالي. واذا كان الإخوان المسلمون في مرجعيتهم النظرية الفكرية لا يزالون بعيدين عن فضاءات العقل الليبرالي، لكنهم يمكن أن يلتقوا مع برنامج سياسي ليبرالي ديموقراطي مرحلي، ومجلى ذلك هو في العديد من وثائقهم و نداءاتهم. والحركة الكردية الديموقراطية انتقلت بمعظمها إلى تقديم أولوية الوطني على القومي، من خلال حسمها خيارها الوطني في (سوريا وطن نهائي)، تماما كما حسمت الحركة الديموقراطي العربية السورية خيارها في أولوية (سوريا وطن لكل أبنائها)، دون أن يتعارض ذلك مع الحلم القومي المستقبلي المشروع بالوحدة القومية: عربية كانت أو كردية…!

ولهذا فنحن نرى أن الحركة الديموقراطية في سوريا آن لها أن تنتقل في مطالبتها من مرحلة صياغة التصور البرنامجي النظري الى مرحلة تقديم اقتراحات اجرائية عملياتية تجاوبا مع الايقاع العالمي المتسارع باتجاه الديموقراطية التي يمكن وصفها بحق بأنها غدت “سمة العصر”. وتتمثل هذه النقلة الإجرائية بالدعوة الى تشكيل حكومة وطنية انتقالية تضم كل الأطراف والأطياف السياسية في الساحة السورية، على أن يعهد تشكيل هذه الحكومة الى شخصية وطنية ليبرالية ديموقراطية حيادية مستقلة على غرار حكومة سعيد الغزي، التي أشرفت على أرقى وأنزه تجربة انتخابية في تاريخ سوريا في 20 آب 1954، وقد أشرف الغزي عليها منذ البداية الى النهاية.

إن ترجمة اقتراحنا الإجرائي هذا هو أن يعهد إلى رياض سيف الوطني الليبرالي الديموقراطي الحيادي المستقل وسجين الضمير والتعبير اليوم بتشكيل حكومة مرحلية انتقالية لمدة سنتين، يتعهد خلالها باجراء انتخابات تحت اشراف الأمم المتحدة، على اعتبار أن سوريا ليس فيها قضاء كالشقيقة مصر ليشرف على أية انتخابات!

ينبغي أن نواجه هذه الحقائق المرعبة بشجاعة من لم تعد لديه ما يخشى عليه في مواجهة زمن آخر ديكتاتوريات العالم الصامدة حتى الآن في وجه رياح التغيير.

وكل ذلك غير ممكن ما لم تخطو الرئاسة وتيار الاصلاح في حزب البعث، إن كان ثمة تيار فعلا، بالتعاون مع هكذا وزارة ليس بالتكليف فحسب، بل واتخاذ قرارات تاريخية شجاعة بالغاء البند الثامن من الدستور الذي يفوض حزب البعث بقيادة الدولة والمجتمع، ووضع قانون حديث للأحزاب، والغاء حالة الطواريء، والأحكام العرفية،  والغاء القانون القروسطي /49/ الذي يحكم بالاعدام على الإخوان المسلمين لمجرد الانتماء، وابعاد أجهزة المخابرات والجيش عن الحياة السياسية المدنية، وأخيرا وأولا: اطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتبييض السجون، ومن البداهة إطلاق سراح رياض سيف ليقوم بهذه المهمة المرحلية والإنقاذية. ولا بد أن يرافق ذلك استنفار عام للمجتمع عبر اطلاق حرية الصحافة والاعلام وحرية عقد الندوات والاجتماعات ليخرج من انكفائه وعزوفه وعزلته وخوفه وقطيعيته التي انتجتها أربعة عقود من الاستبداد والقهر، لبعثه من رقاده ولتجديد احساسه بالحياة عسى أن يستعيد شبابه، ليأخذ مبادرة تقرير مصيره الوطني والسياسي والانساني بيده تمهيدا لعقد المؤتمر الشعبي الوطني الديموقراطي العتيد.

لماذا اختيار رياض سيف ؟

1-إن رياض سيف رجل أعمال صناعي منتج، وليس طفيليلا ريعيا أو لصقراطيا مافيويا (بلطجيا). إنه تعويض عن نموذج الشهيد الحريري، أي النموذج الاقتصادي المنتج التنموي والعمراني الذي يستثمر أمواله في بلاده، ولا يسرق أموال البلاد والعباد إلى بنوك الخارج كما يفعل سجانو رياض سيف أو كما فعل ويفعل قتلة الشهيد الحريري.

2- رياض صاحب أول مشروع سياسي ليبرالي ديموقراطي في مواجهة النظام الشمولي القائم في سوريا، وقد عبّر عن ذلك –منذ أربع سنوات – من خلال تأسيسه لأول منتدى مدني مستقل وطرحه لمشروع حزب ديموقرطي لم يكتب له الحياة بسبب اعتقاله، حيث ينطوي برنامجه على مجموع الخطوط العامة التي استقرت عليها الحركة الديموقراطية المعارضة في سوريا: الإقرار بالتعددية السياسية والحزبية، والإعتراف بالتعدد الإثني والعرقي والثقافي الذي هو اثراء للهوية الوطنية وليس انقلابا عليها. ولذا فقد كان منتداه مهرجانا لهذه التعددية، حيث حضور كل الطيف السياسي السوري (ليبراليون –قوميون –يساريون- اسلاميون – وكل تمثيلات الأحزاب الكردية…الخ). وهو يتفرد في تاريخ الحراك السياسي الديموقرطي بأنه ليس له تاريخ شمولي ملوث بالدم (سلطويا) ولا تاريخ شمولي قومي أو يساري أو اسلامي (معارضة). وعلى هذا فإن الرجل يمكن أن تتحقق حوله حالة اجماع وطنية ضرورية في هذه المرحلة المأزقية إلا للذين في نفوسهم وقر من أهل السلطة أو المعارضة.

ولقد دفع ضريبة ليبراليته الإقتصادية المنتجة عندما فضح مشروع لصوصية (الخليوي)، وضريبة ليبراليته السياسية عندما دعا إلى احترام الشرعية الدستورية والقانونية والقضائية، فأدخل السجن بحكم زائف لمدة خمس سنوات.     

3- إنه شخصية مرموقة ومعروفة ومقبولة وطنيا وعربيا ودوليا وعالميا. أي أن ترشيحه يمكن أن يقطع الطريق على الذرائع الخارجية التي وفرها نظام الاستبداد والطغيان للقوى الخارجية للتدخل في شؤوننا الداخلية. ونحن –في اقتراحنا هذا – ليس لدينا أية رغبة للتحدي (العصابي) المرضي للخارج الدولي والعالمي، بل نريد كسائر خلق الله من البشر–خارج الاستثناء الديكتاتوري العربي- أن ننضم إلى النادي الديموقراطي العالمي، نادي الحريات واحترام حقوق الانسان. ولهذا فنحن نرى في هذا الاختيار بمعناه الواقعي والرمزي اخراجا لبلادنا شعبا وحكومة من هذا المأزق الوطني الذي يهدد الأمن الوطني للبلاد. ونحن لا نسعى في هذه المداخلة استفزاز أحد، بل هي دعم ومساندة لأهل الاصلاح في الدولة إذا كان لا يزال ثمة بقايا دولة أو ثمة إرادة إصلاح أو مصلحون.

4-نريد بهذه الخطوة الإجرائية العملياتية الملموسة على الأرض أن نمارس حقنا الانتخابي – ولو كان رمزيا- للمرة الأولى في حياتنا خلال أكثر من أربعين سنة، وذلك بتقديم مرشح للوزارة يعبر عن المشترك بين أطياف الحراك الوطني والديموقراطي، حيث يكون أول رئيس وزراء منذ أكثر من أربعين سنة يعبر عن إرادة الشعب، وأن يترافق ذلك مع الاعداد إلى المؤتمر الوطني الذي تتداعى له كل أطراف الحركة الوطنية والديموقرطية أحزابا وهيئات ومستقلين.

أي أننا لا نريد أن ننتظر الانقاذ الوطني كمكرمة من حزب البعث (الخصم والحكم) الذي قاد البلاد إلى كل هذا الحطام، لأن حزبا ونظاما قاد بلاده إلى كل هذا البلاء لا يمكن أن ينتظر منه الرجاء، ولا الانقاذ من الخارج: الأمريكي أو الأوروبي بوصفهم الوحيدين الفاعلين والمؤثرين على سياسات النظام الذي لاينصاع إلا لإراداتهم مع الأسف!.

لقد بتنا نشعر بالمهانة إذ تصدر يوميا المطابخ الأمنية شائعات عن قرب الإفراج عن معتقلي الرأي من أسرى ربيع دمشق، هزءا وسخرية واستهانة بالرأي العام الوطني والعربي والدولي. ولذا فنحن –في هذا السياق- نناشد البرلمانات العالمية، والأمم المتحدة، وهيئات ومؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي وحقوق الانسان، للتدخل الفاعل من أجل وقف هذه المهزلة السوداء التي تشكل عارا على كرامتنا وسيادتنا الوطنية والمجتمعية، في التلاعب بمصائر زملائنا وأصدقائنا الفضلاء برلمانيين ومفكرين وسياسيين، من خلال أسرهم وأخذهم رهائن لإشاعة الخوف والصمت في بلادنا، ويتوج هذا التوجه اليوم بسلوك (بلطجي شبّيح) يقوم على خطف الناس من الشارع والمنزل والمكتب.

لذا وجدنا أن نقدم اقتراحا اجرائيا يتمثل في أن نخص في ندائنا هذا: الدعوة إلى تكليف النائب الوطني الليبرالي رياض سيف بتشكيل وزارة كتتويج للمصالحة الوطنية في الإفراج عنه وعن زملائه (الخبير الاقتصادي والعضو المؤسس في لجان احياء المدني د.عارف دليلة- النائب محمد مأمون حمصي- الأستاذ حبيب عيسى الناطق باسم منتدى الأتاسي– د. وليد البني العضو المؤسس في لجان احياء المجتمع المدني– الأستاذ المهندس فواز تللو، وعضو حزب العمل الشيوعي د. عبد العزيز الخير، محمد رعدون، وسهير الأتاسي رئيسة منتدى الأتاسي، حسين العودات، يوسف الجهماني، د. حازم نهار،  نهاد بدوية، جهاد مسوتي، محمد محفوض، عبد الناصر كلحوس، وعلي العبد الله، مع كافة المعتقلين السياسيين…الخ)، وكبادرة حسن نية في أن النظام لا يلعب بالزمن المستقطع في انتظار معجزة للالتفاف على استحقاقات الوطن واتاوات التاريخ. فالبلاد لا يمكن أن تتجاوز أزمتها بدون مرحلة انتقالية ليبرالية إنقاذية تشكل فضاء تاريخيا وسطا بين كل الفئات والتيارات والأطياف السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بما فيها التيار الإسلامي والحركة الديموقراطية الكردية، كمدخل لابد منه للمصالحة الوطنية، لكي يتمكن المجتمع والشعب من التسامح والتسامي والتعالي على الجراح.

*حلب