حسن عبد العظيم في مذكرة بالدفاع الشفوي عن المتهم رياض سـيف

                                                                                                                                                                                             رقم الأساس 717 / 2.2

         مذكرة بالدفاع الشفوي عن المتهم رياض سـيف

          من وكـلاء الدفـــــــــــــاع

         السـيد الرئيس – السادة المستشارين

تمهيــــــــد – لأول مرة منذ أربعين عاما يمثل أمام محكمة الجنايات متهم من نوع مختلف فالتهمة المنسوبة ليست اعتداء على شخص أو على ماله أو على عرضه أو شرفه  و إنما هي تهم من نوع آخـر تقع تحت عنوان الاعتداء على أمن الدولـــــة.

 – فمنذ صدور قانون الطوارئ بالمرسوم التشريعي 51 تاريخ 22 / 12/ 1962 في عهد الانفصال وصدر الأمر العسكري ذي الرقم 2 تاريـــخ 8 / 3 / 1963المتضمن إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية السوريـة لم تتم إحالة أي متهم بقضية سياسية – تتعلق بأمن الدولة وتقع تحت طائلة أحكام المواد من 260 حتى 311 من قانون العقوبات – إلى القضاء العــــادي ، بل كانت تحـال هذه القضايا إلى محكمة الأمن القومي وبعدها إلى محكمة أمن الدولة العليا ، وهي محكمة استثنائيــــة أنشئت في ظروف استثنائية ، ولم يكن في تلك الظروف دستور دائم ، ينظم عمل السلطات الثـــــلاث التنفيذية والتشريعية والقضائيـة.

وبصدور الدستور عن مجلس الشعب الأول في شهر شباط عام 1973 ، كان من المفترض أن تلغى القوانين الاستثنائية المتعلقة بإنشاء محكمة أمن الدولة حكما ويعود الأمر للقضاء العادي كقضاء طبيعي ، يحاكم أمامه جمع المواطنين ، وفي محاضرة قيمة للعلامة القانوني المرحوم نصرت منـلا  حيدر أشار فيها إلى أن صدور الدستور عن هيئة تشريعية ، يلغي حكما وضمنا القوانين الاستثنائيـة والمحاكم الاستثنائية. ونجد في إحالة مثل هذه القضية بعد أربعة عقود بادرة جديدة تمهد لعودة الأمور إلى نصابهـا.

  لقد أشرنا في هذه المقدمة إلى أن المتهم رياض سيف من نوع مختلف وأن القضية التي يحاكم من أجلها هي قضية سياسية ، تتعلق بحرية الرأي والتعبير ، وما إذا كان المتهم – وهو عضو في مجلس الشعب ، قد التزم حقه الدستوري والقانوني في مواقفه وفي التعبير عن آرائه ، أم غير ذلك وهـذا ما نعرضه عليكم من خلال استعراض سريع لوقائع هذه القضيـة.

                       أولا – الوقائــــــــــــــــــــــــــــع

 أ – من هو رياض سيف ، وما هو دوره في النشاط الاقتصادي ومواقفه ، وما هو دوره في النشـــاط السياسي، وهل هو موال للنظام السياسي ، أم معارض ، ولماذا رفعت عنه الحصانة لتحريك الدعوى العامة بحقه أولا ، ثم تمت الموافقة على توقيفه ، ولماذا أتهم على النحو الوارد في قرار الإحالة ؟.

  تلك أسئلة تشكل الإجابة عنها وقائع هذه القضايا وأحداثها على النحو التالـي :

  1- في صيف عام 1959 دخل سيف معترك الحياة حيث عمل في مصنع قمصان بعدها بأربع سنوات شكل مع شقيقيه ورشة لصناعة القمصان ، وخلال عشر سنوات تمكن الأشقاء الثلاثـــة من تحويل الورشة إلى شركة كبيرة حملت الاسم التجاري ” ماركة4.” وبعد زياراته المتكررة لألمانيا واطلاعه على آخر ما توصل إليه الألمان في صناعة الملابس قرر سيف الاستقلال بمنشأة خاصة به وكان له ذلك في عام 1980، حيث أسس فرعا جديدا لشركة الـ (4.)وكانت تجربته تلك بشهادة أصحابها من إداريين وعمال تجربة رائعة جنى ثمار نجاحها كل العاملين فيها ، إذ انه في عام 1988 تمكن كـل المتزوجين من العمال شراء مساكن خاصة بهـم.

    تتالت النجاحات إلى أن أصبح سيف رمزا مميزا من رموز الصناعة الوطنية حيث أصبح شريكاً ومديراً عاماً لشركة سيزا – أديداس التي كان يعمل فيها اكثر من 14.عاملا ، ولاقى سيف على تجربته الصناعية الثناء والتقدير من كبار المسؤولين في الدولـة، ومن البعثات التجارية العربية والدولية فبالرغم من الشكوك وعدم الثقة التي كانت تبديها الصحافة المحليـــة حيال القطاع الصناعي ، فان جريدة الثورة الرسمية بتاريخ 9 / 7 / 1989 نشرت تفاصيل تلك التجربة تحت عنوان ” تجربة رائدة في القطاع الخاص الصناعي”  حيث بدأت الفكرة عندما كان أحد صحفيي الجريدة المشبع بالأفكار الاشتراكية يصغي لإحدى قريباته وحيث تتحدث بعفوية عـن سعادتها بما توفره الشركة من أجور مجزية وخدمات إنسانية واجتماعية.لم يصـدق في البداية ما سمع فقام بزيارة الشركة وتحرى واستفسر بطرقه الخاصة،وعندما صـدّق واقتنع  نشر ما رأى وسمع. وبتتابع النجاحات قام سيف بتأسيس شركة في شمال فرنسا لبيع الملابس السورية مباشرة للمستهلك الفرنسي وذلك في عام 1989 وهكذا كان المستقبل يبدو باهراً يبشر جميع العاملين بالكفاية المادية والاطمئنان.

2- في عام 1994 دخل سيف انتخابات مجلس الشعب مستقلا عن مدينة دمشق وفاز فيها بأعلى الأصوات بين المستقلين على أساس برنامجه الانتخابي الذي تضمن ضرورة قيام صناعة وطنية متطورة قادرة على تحقيق الرفاه وتوفير فرص العمل لأبنـاء الشعب وشرف الأمانة والوفاء لبرنامجـه دفعه في أول مداخلاته تحت قبـة المجلس عند مناقشة البيان الوزاري أن يطرح هموم الصناعة الوطنية ومشكلاتها المزمنة تحت عنوان ” عصي وزارة المالية في عجلات الصناعـــة الوطنية ” وتقدم في هذه المداخلة بعشرين مطلبا لإنقاذ الصناعة الوطنية ، لم تلق مداخلته أي اهتمام من قبل الحكومة. وتتالت مداخلاته في المجلس عن الإدارة وخصوصيتها في سوريـــة وعن قانون الاستثمار ، وعن الركود الاقتصادي – الأسباب والحلول ، ولكن هذه المداخــــــلات أزعجت بعض رموز الحكومة ، وفي المقدمة منهم وزير المالية الذي ما كان منه إلا العمل علـى افتعال ضرائب تعسفية على النائب سيف لا يقبلها عقل ولا منطق و إصدار قرارات حجز علــى أمواله وأموال أفراد عائلته المنقولة وغير المنقولة و الإعلان عن بيع معمل ولـده جواد بالمـــزاد العلني ، وحاول المتهم التظلم إلى رئيس مجلس الوزراء السابق محمود الزعبـي وعرض عليه ما ينشر في الصحف الرسمية حول كيفية بناء إدارة اقتصادية وطنية0 ففوجئ برد رئيس الوزراء السابق : ( هل أنت الوحيد الوطني ونحن لسنا وطنيين ، حسناً يمكنك أن تقول ما تشاء وتكتب ما تشاء ، ونحن سنفعل ما نشاء ) وعندها خرج سيف وهو متيقن بأن حربا ضاربة سوف تشن ضده ، وبالفعل ، فقد انهال عليه سيل من إشعارات وزارة المالية بلغ عددها (48) إشعارا واتخذت بحقه مجموعة من القرارات ألحقت بنشاطـه الاقتصادي خسائر فادحة ، وكما صودر حق شـركته بالحصول على قرض مصرفي ، وقد وصل إجمالي ما فرضته المالية عليه من ضرائب إلى اكثر من ( 194 ، 502 ،112)  مليون ليرة سورية ، كما تم الإعلان عن بيع مكتبه بالمزاد العلني في الصحف الرسمية ، مما عكس نية بعض أركان الحكومة في تصفية سيف كصناعي وطني بارز لإسكات صوتـه.

3- ثم عزم على ترشيح نفسه مرة ثانية للدورة السابعة في كانون أول 1998 وتميز نشاطه الانتخابي بعقد لقاءات حوار مع ناخبيـه بلغت 14 ندوة علنية ، أشارت إليها الصحف الرسمية آنذاك بوصفها مضافة فكرية يمتاز بها المرشح سيف عن غيره من المرشحين أصحاب الطبل والزمر (تشرين الأسبوعي العدد 39) وقد طرحت جلسات الحــوار مواضيـع مثل: الديمقراطية شرط المواطنة ، والسعي إلى بناء قضاء عادل ونزيه- ودور القوانين الضريبية في عملية التنمية – كما طرحت مشروعا متكاملا يبدأ بالإصلاح الإداري مرورا بالمعلوماتية وانتهاء بمواضيع البيئة والصحة – كما أنه لم يغفل دور المعاقين في العملية التنموية حيث تــم تخصيص ندوة كاملة حول هذا الموضوع ، ومن المعروف أن النائب سيف كان أول من بلور مشروعاً صناعياً متكاملاً لإنتاج الأطراف بهدف تأهيل المعاقين وإعادة دمجهم في المجتمع.

     كما تميزت الحملة الانتخابية للنائب سيف بابتعادها عن توزيع الصور الشخصية أو إقامة الحفلات الاستعراضية واكتفت ببرنامج انتخابي من إحدى عشر نقطة كثفت النقاشات الدائرة في جلسات الحوار مما يعكس رغبته الجادة في التواصل الاجتماعي مع ناخبيه وفي تجسيد مطالبهم ونقلها إلى المؤسسة التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب.

      كما طرح شعارات سياسية واجتماعية واقتصادية بدلا من صوره الشخصية مثل( الانتماء للوطن فوق كل انتماء – ومن أدى كل واجباته فليطالب بحقوقه – لا قدسية للقضاء إلا بتقديس القاضـــي) وغيرها من اللافتات الانتخابية التي قرأها المواطن السوري آنذاك و لاحظ أن اتجاها جديدا بــــدأ يتشكل داخـل التيار الاقتصادي والصناعي الوطنـي.

وقد كافأه الناخبون في مدينة دمشق بإعطائه نسبة عالية من الأصوات ، فأصدر بعد نجاحه بياناً نشرته صحيفة تشرين بتاريخ 5/12 / 1998 وعد فيه الناخبين بمتابعة لقاءات الحوار معهــــم والاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم.

كما أنه تابع اهتمامه بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية في مجلس الشعب من خلال مداخلاته التي كانت تحظى باهتمام إعلامي محلي وعربي نظرا لجرأتها وصدقها في مناقشة القضايا بجديـــــة والإشارة إلى الأخطاء ، وظهر ذلك واضحا في مداخلته حـــول البيان الوزاري لحكومة الدكتور محمد مصطفى ميرو الأولى بتاريخ 29 / 5 / 2000 إذ وصف آنذاك الحكومات السورية بأنها ” من أسعد الحكومات في العالم ، حيـث لا أحزاب معارضة تؤرقها ، ولا إضرابات عمالية تحرجها ، ولا سلطة قضائية تحكم ضدها ، ولا سلطة تشريعية تراقبها ولا صحافة فضولية تكشف أخطائها ،  وأن هذا المناخ الذي يتوفر للحكومة هو مناخ لابد أن يسبـــب الاسترخاء والكسل واللامبالاة كما يشكل بالضرورة أرضا خصبة لنمو الفســــــــاد. “

كما تجلى دوره أيضا في محاضرات ألقاها في كل من جمعية العلوم الاقتصادية السورية وفي معهـــد غوته الألماني، حيث قدم عددا من الدراسات الاقتصادية الدقيقة التي اهتمــت بحساب الجدوى الاقتصادية من زراعة القطن السوري ودراسة أخرى عن النتائج السلبية لقرار رفع أسعار الغزول وانعكاساته الخطيرة على الصناعات النسيجية ، والـتي أحدثت اهتماما وجدلا اقتصاديا ونشرت في الكثير من الصحف السورية والعربية وصدرت فيما بعد قوانين اقتصادية تتجاوب مع الكثير مما ورد في دراسـاته.

كما انه كان يبشر عن اقتناع، بالدور الوطني للقطاع الخاص ليقوم بواجبه في إطار عملية التنمية الشاملة حيث قدم محاضرة بهذا الخصوص حملت عنوان ” القطاع الخاص الصناعي وكيفية تأهيله للقيام بدوره في عملية التنمية الشاملة “.

كل ذلك يكشف بجلاء عن مساهمة سيف السياسية ضمن إطار الإصلاح الاقتصادي التي كانت تأخذ منحى متصاعدا وتجمع حولها العديد من النواب والباحثين والمواطنين ، لما رأوه في طروحاته من جرأة وصراحة وتعبير عن هم وطني ينطلق منه في كـل طروحاته ومداخلاتـــه.

وبعد وفاة الرئيس حافظ الأسـد ، كان رياض سيف من المبادرين الأوائل الذين طالبوا بضرورة مواجهة التحديات القائمة والملحة بمسؤولية وجدية من خلال تصريحاته في وسائل الإعلام وعلق الآمال على اختيار الرئيس بشار الأسـد في تحقيق الطموحات والآمال الشعبية بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية ، وبدا ذلك جليا في مداخلته التي قدمها في الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب لانتخاب الدكتور بشار الأسد  حيث ختم مداخلته المؤيدة بقوله :

” الشعب الذي منحك الثقة وأحبك فبايعك هو شعب كريم أبي يحب العطاء ويملك من الطاقات ما سوف يعينك على تحقيق النصر في كل معركة.. سر على بركة الله لتقود شعبك في مسيرة بناء وطن المنعة والقوة و الرفاه…”.

بعد ذلك رأى أو تصور أن مناخا جديدا يتشكل في الفضاء السياسي والاجتماعي السوري ، وقد عزز ذلك التصور خطاب القسم الذي أكد على ضرورة احترام الرأي الآخـر ، مما شكل حافزا له ولعدد من المثقفين كي يقوموا بمبادرة مجتمعية تهدف إلى تشكيل جمعية أصدقاء المجتمع المدني ، وقد طالب في حوار له مع صحيفة السفير اللبنانية ” بضرورة صدور قانون جديد للأحزاب كي يتيح للمجتمع أن يشارك في صنع القرار ويساهم في بناء الوطن على اعتبار أن الجميع معني ببناء الوطن و الإسهام في تعزيز دوره ، كما جـاء في خطاب القسـم.”.

وقد تصاعدت وتيرة الأصوات المنادية بالقيام بإصلاحات سياسية حقيقية ، فقد صـدر بيان المثقفين الذي حمل طيفا واسعا من المطالب السياسية بدءا من إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية وانتهاء بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وقد وجد فيه رؤية وطنية للإصلاح السياسي القادم والمأمول.

وازدادت المطالبة بالمزيد من الديمقراطية وفسح المجال لحرية الرأي والتعبير من خلال العديد من المقالات والتصريحات المنشورة في الصحف العربية ، عندها وجد المناخ ملائماً للدعوة إلى لقاءات في منزله لعدد مـن المثقفين والمفكرين على شكل مشروع منتدى الحوار الوطني ، ابتدأت في 13 / 9 / 2000 بمحاضرة لعميد المثقفين أنطون مقدسي بحضور مثقفين من كافة التلوينات السياسية والاجتماعية ، وشهدت ندوات الحوار أجواءً عكست رغبة جادة لدى الجميع في الحوار والتواصـــل وتناولت مواضيع متعددة ووجهات نظر حول الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري دون أن يكون هناك أي ممانعة رسمية ، بل على العكس تردد في حينه الكثير من التصريحات الرسمية التي عكست التقدير الإيجابي لمثل هذه النشاطات وتكاثرت فيما بعد المنتديات في جميع المحافظات السورية و( حوّل كل مواطن منزله منتدى ) كما جاء على لسان صحفي من جريدة تشرين وناقشت العديد من الموضوعات و المداخلات بما فيها المطالبة بتعديل الدستور من بعض الحضور ومن قبل أعضــاء في حزب البعث (جلسة منتدى الحوار الوطني في 7 /2 / 2000) و برلمانيين من أمثال منذر موصللي وغيره (النهار 6 /1 / 2001 ) مما يعكس طبيعـة الآراء المطالبة بتعديل مواد في الدستور ، ومنها المادة الثامنة ومواد أخرى تتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعــي وقد تناولتها بالتفصيل إحدى المحاضرات في جلسات منتدى الحوار الوطني ، وانعكس ذلك على الخطاب الرسمي نفسه، فقد نشـرت جريدة الثورة مقالا يرى فيه كاتبه أن إعلان حالة طوارئ يشكل مخالفة للدستور السوري ( الثورة السبت 26 / 12 / 2000).

 وفي لقاء بين نائب رئيس الجمهورية السيد عبد الحليم خدام وبين رياض سيف في شهر آب لعام 2000 أعلمه فيه عن فكرة تشكيل حزب سياسي خارج الجبهة ، فأخبره الأستاذ خدام بالتريث إلى حيـن صدور قانون للأحزاب يجري إعداده.  وفي أوائل عام 2001 نشرت الصحف السورية الرسمية أنباء عن تشكيل أحزاب جديدة كل ذلك شجع النائب سيف على الإعلان عن مبادئ وأفكار أولية للحوار في بيان حركة السلم الاجتماعي ربما تصبح بعد إنضاجها ومناقشتها إطارا لعمل سياسي بعد صدور قانون للأحزاب تحت مناقشة أفكار في جلســة علنية بحضور العديد من أعضاء حزب البعث الحاكم من أساتذة الجامعة أمثال فيصل كلثوم وسليم بركات وناصر عبيد الناصر وكمال عمران وغيرهم ، وقد نشرت صحيفة الزمان التي تصدر في لندن جميع المداولات والنقاشات التي جرت على مدى يومين متتاليين  بتاريخ 4- 5 / 2 / 2001 ، بعد ذلك تم تحريك دعوى الحق العام بحقه بموافقة رئيس مجلس الشعب وأبلغ المجلس فيما بعـد  بتاريخ 17 / 2 / 2001 وجرى على أثر ذلك فتح تحقيق قضائي معه لجلسة واحدة فقط علما أن النائب سيف وجه رسالة إلى رئيس مجلس الشعب بتاريخ 12 / 2 / 2001 أي قبل تحريك الدعوى القضائية ضده موضحا فيها بعض الفقرات التي ذكرت في ورقة حركة السلم الاجتماعي وداعياً فيها جميع المواطنين إلى المساهمة في الحراك السياسي والاجتماعي وتعزيزه..

بعد ذلك قامت السلطة بحملة علنية وتشكيك واتهامات للمثقفين وتم على أثرها إغلاق عدد من المنتديات عند ذلك استجاب المتهم سيف للرغبة الرسمية وأوقف منتدى الحوار الوطني في بيان مؤرخ في 20 / 3 / 2001 أشار فيه إلى الرغبة بإعادة افتتاحه بعد التقدم بطلب ترخيص وتم تقديم طلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 3 / 5 / 2001 ، وقد جاء رد الوزارة برفض طلب شهر جمعية منتدى الحوار الوطني لعدم الاختصاص ، بعدها تقدمت لجنة المنتدى بتظلم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية سجل في ديوانها بتاريخ 16 / 5 / 2001 إلا أن الرد من قبل الوزارة جاء أيضا بالرفــض لنفس الأسباب السابقة ، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من ذلك وفي ظل أجواء إيجابية ولقناعة لجنة منتدى الحوار الوطني بضرورة مساهمتها في تفعيل الحياة العامة ونشر ثقافة الديمقراطية التي تبدأ من قبول الرأي والرأي الآخر وزعت لجنة المنتدى بتاريخ 30 / 7 / 2001 بيان حول إعادة استئناف نشاط المنتدى0 وأرسل إلى الجهات الرسمية والإعلامية والحزبية ودعـت اللجنة فيه إلى الحوار والاعتراف بالآخر والاحترام المتبـادل للآراء و الأفكار طالما أنها تنطلق من الحرص على الصالح العام. وبناء  وطن يوفر لكل أبنائه السعادة والاطمئنان في جـو محبب للعمل و الإبداع يجعـل متعة العطاء بديلا لكل أنانية ضـارة.

 ووجهت دعوات إلى شخصيات رسمية وحزبية وأعضاء في مجلس الشعب وأجهزة الإعلام الرسمية للمشاركة في نقاش حول المحاضرة التي سيلقيها مساء 5 / 9 / 2001 أستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون الدكتور برهان غليون بعنوان : مستقبل الإصلاح والتغيير في سورية. نحو عقد وطني جديد ” ، ولم تطلب أية جهــة رسمية أو أمنية عدم عقدها ، كما أن مشاركة رموز من حزب البعث في النقاش أضفى أجواء إيجابية على النقاشات التي دارت على مدى أكثر من خمس ساعـات. وقد ختم غليون محاضرته مطالبا أن تأتي مبادرة مشروع الإصلاح والتغيير لمواجهة التحديات الحاسمة من قبل السيد رئيس الجمهورية. وفي اليوم التالي تم استدعاء المتهم إلى وزارة الداخليـــــة وتم اعتقاله ، وعممت وكالة أنباء سانا على الصحف الرسمية نبأ توقيفه.

فلماذا أوقف رياض سيف ، و هل هو معارض للنظام السياسي أم من الموالين لهذا النظام ؟ الجواب الواضح ، أنه ليس معارض للنظام ، و لا ينتمي إلى أي حزب معارض وأنه بدأ نشاطه السياسي بالترشيح لمجلس الشعب في دورة عام 1994 من خلال الإيجابية و الرغبة في التعاون في إطار مجلس الشعب، و من المعروف أن غالبية المستقلين الذين دخلوا الانتخابات لأول مرة في بدايـة التسعينات كانوا قريبيـن  للسلطة، ولا ينتمون للرأي الآخر أو المعارضـة.

غير أن الإيجابية من السلطة أو القرب منها لا يعني التخلي عن القناعات والرأي المستقل وهناك من يرى – كرياض سيف – أن(صديقك من صدّقك لا من صدقك) وهذا ما جعله يعبر عن مواقفه ورغباته بصدق ، ويطرح في مجلس الشعب مداخلاته ما يرى انه في مصلحة الناس والوطن والدولة.

وعندما كان المنافقون يطبلون ويدافعون عن سلامة الاقتصاد ومتانته ، والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، كان في مداخلاته يتحدث عن الخلل والركود وسوء الإدارة و الفساد، وينقد قانون الاستثمار، غير أنه يحاول الإصلاح من  داخل النظام، ومن خلاله.

ففي الحديث عن تجربته هموم في الصناعة و السياسة ، يبدأ بقول للرئيس الراحل حافظ  الأسد ” لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ و لا أن يتستر على العيوب و النواقص ” غير أنه يتحدث عن أخطاء حكومة الزعبي ، و قراراتها الاقتصادية التي توضع لصالح فئة من المستفيدين وشركائهم وسياسات العرقلة والأتاوات، وتشويه قانون الاستثمار و تزييف الأرقام المعلنة عن النشاط الاقتصادي، وعن ممارسات وزير المالية، وانعكاس مواقفه على مشاريعه بالانتقام منه وفرض الضرائـب الباهظة عليه لإفلاسه، وقد تأكدت مصداقية انتقاداته عندما بدأت الصحـف الرسمية تشير إلى تردي الوضع الاقتصادي في ظل حكومة الزعبي ، وتغلغـل الفساد في الإدارة ، الأمر الذي أدى إلى إقالته وانتحاره .

كما أن المتهم رياض سيف كان في طليعة المتفائلين والمستبشرين بعهـــد الرئيس بشار الأسد وبالاستشهاد بأقواله في خطاب القسم ، وقد شجعه ذلك على زيادة نشاطه والدعوة إلى لقاءات في منزله بهدف الحوار والمشاركة في عملية الإصلاح والتطوير.

ومن الملاحظ في وقائع القضية والأوراق أن فكرة المنتدى واللقاءات بدأت في 13 / 9 / 2000 أي بعد شهرين من انتخاب الرئيس بشار الأسـد، وخطاب القسم، وأن المتهم كعضو مجلس شعب فهم هذا الخطاب واستوعبه جيدا وحـاول العمل في ضوء ما ورد فيه والذي يتلخص بالآتــــــي :

 دعوة للمشاركة في المسؤولية وتحملها من كل مواطن شريف. الكل مسـؤول  تكامل عمل الكل  في المجتمع الواحد، في مسيرة التطوير والتحديث، طرح أفكار جديدة في كل المجالات، النقد البناء احترام الرأي الآخر، الإشارة إلى الخلل في الداء الاقتصادي، والقرارات المرتجلة، والشفافية في الاقتصاد والحوار مع المجتمع لأنه الطريق التي يسير عليها التطوير في حقوله العديدة.

 والسير بخطى ثابتة ومتدرجة نحو إجراء تغييرات اقتصادية ، بتحديث القوانين وإزالة العقبات البيروقراطية. ورسم سياسة اقتصادية رشيدة، والتركيز على المؤسسات والفكر المؤسساتي وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصـة ومنطق التعاون والانفتاح على الآخرين، وامتلاك الفكر الديمقراطي.

وتحدث الخطاب عن الإصلاح الإداري، ومحاربة المهملين والمفسدين وعن أهمية المؤسسة القضائية ورفدها بالكوادر الكفؤة والنظيفة، وأن تأخذ دورها الكامل بهدف إحقاق العدالة وصيانة حرية المواطن والسهر على تطبيق القوانيـن :

وأكد على احترام القانون ففيه حفاظ على كرامة المواطن من قبل الدولة. ومكافحة الهدر والفساد.  وقبل خطاب القسم، هنالك دستور عام 1973 الذي ينص على أن الحرية حق مقـدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم الشخصية وأمنهم وسيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة ( م 25 ).

وحق كل مواطن في الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيـــة. ( م 26 ).

لكل مواطن الحق في أن يعبر عن رأيـه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد والبناء ( م 38 ) .

  لقد فهم سيف ما ورد في الخطاب وما ورد في الدستور أما بعض المسؤولين لم يفهموه ولا يريدون فهمه أو تطبيقه لأنه لا يتفق مع نهج سلطوي اعتادوا عليه منذ أزمة الثمانينات، ولأنه يتعارض مع مصالحهم ومكاسبهم ويهددها.

  ولو قارنا ما صدر عن رياض سيف من أقوال أو تصريحات ، وما ورد في مشروع بيان حركة السلم الاجتماعي من مبادئ أولية وأفكار للمناقشة ، بهدف إعادة صياغته في ضوئها ، وما تضمنته آرائـه ودراساته في مجلس الشعب قبل خطاب القسم وبعده ، لتبيـن لنا أنها تبقى في إطار هذا الخطاب وتحت سـقفه، ومع ذلك فقد بادر معارضو الإصلاح والتطوير إلى التمهيد لاعتقاله واعتقال غيره من المطالبين بالإصلاح ومحاربة الفساد ، لإغلاق الباب الذي انفتح قليلا وبشكل موارب وإبقاء المجتمــع والرأي الآخـر، في داخل النظام وفي المعارضة ممنوعا من أي مشاركة في عملية الإصلاح والتطوير نظريا وعمليا.

وقد أشار رئيس الجمهورية في مؤتمر صحفي أثناء زيارته لباريس ، عندما سـئل عن الحرس القديم فكان جوابه أن المسألة ليست متعلقة بحرس قديم أو جديد ، و إنما تتلخص في من هو مع الإصلاح ومن هو ضد الإصلاح.

 وهذه القضية المطروحـة عليكم مثال على ذلـك ، ورياض سيف هو أحد ضحايا خصوم الإصلاح إذ أنه لم يدرك أن بقايا رموز الفساد سيقومون بالهجوم المضاد ، ويعملون على توقيفه ، ولم يكن وزيرا الداخلية والمالية آنذاك بعيدين عما جرى.

 وقد فوجئ المتهم كما فوجئ الكثيرون بنبأ التوقيف لأنهم يعرفون أنه يتمتع بحصانة دستورية كعضو في مجلس الشعب، ما يدعونا لعرض الوقائع التي مهدت لذلك من قبـل. على النحو التالــي :

  1- توجيه كتاب من المحامي العام الأول عن طريق وزير العدل إلى وزير الداخلية مؤرخ في 12 / 2 / 2002 يتضمن ورود مذكرة مؤرخة في 31 / 1 / 2001 صادرة عن عضو مجلــس الشعب رياض سيف المؤرخة ( بالبريد المغفل ) ويطلب إعمال أحكام المادة 8 من قانون حالة الطوارئ رقم 1 لعام 1962 وتعديلاتـه. و إحالة وزير العدل إلى وزير الداخلية المؤرخة في 12 / 2 / 2001 .

  2- الأمر العرفي رقم 930 / 2 تاريخ 14 / 2 / 2001 الصادر عن نائب الحاكم العرفي وزير الداخلية المتضمن أن قضية رياض سيف والأفعال المنسوبة إليه تستثنى من اختصاص القضاء العسـكري.

 3- كتاب رئيس مجلس الشعب المؤرخ في 15 / 2 / 2001 بالموافقة على تحريك الدعوى العامة بحق رياض سيف. بدون توقيف .

4- استجواب رياض سيف من قبل قاضي التحقيق بتاريخ 3/3/2001 حول الأفعال المنسوبة إليه بادعاء النيابة العامة تركه ، وبقاء الدعوى مفتوحة ستة أشهر دون أن تفصل ، كسيف مسلط يمكن استعماله في الوقت المناسـب.

5- وهكذا يأتي الوقت المناسب ، عندما يجرؤ المتهم على عقد لقاء في منزله بمناسبة قدوم الدكتور برهان غليون وهو مفكر سوري كبير من مدينة حمص ، وأستاذ في علم الاجتماع بجامعة السوربون بباريس ، وقد أبدى رغبة في إلقاء محاضرة بعنوان ” مستقبل الإصلاح والتغيير في سورية نحو عقد وطني جـديـــد ” .

  تتحرك السلطة التنفيذية وأجهزتها من جديد وتتكرر مقولة ” وردنا بالبريد المغفل إخبارات خطيــــــة حول إقدام المدعى عليه رياض سيف لعقد ندوات غير مرخصة في 2و5 /9 / 2001 ” ، كما ورد بكتــــاب المحامي العام الأول بدمشق إلى قاضي التحقيق الأول بدمشق المؤرخ في 6 / 9 / 2001 لاتخاذ الإجراءات اللازمـة .

6- ترتيب الأمر بين وزير الداخلية والعدل ورئيس مجلس الشعب لاستصـدار موافقة بنفس التاريخ على توقيف رياض سيف بحجـة اعتبار اللقاء الذي جرى الإخبار عنه جرما مشهودا ، وهكذا يقرر قاضي التحقيق بنفس التاريخ أيضا ( 6/9 ) إصدار مذكرة توقيف بحقه وتنفذ المذكرة ويتم استجوابه بتاريخ 9/9/2001 وهكذا يتم إسكات صوت عضو مجلس شعب مستقل لمنعه من التعبير عن رأيه بحرية ، ولكي يكون عبرة لمن يعتبر فلا يطالب بالإصلاح ومحاربــة الفسـاد .

   وقد صدر قرار قاضي التحقيق في 2/10/2001 ثم قرار قاضي الإحالة في 11/10/2001 ثم قرار الغرفة الجزائية بمحكمة النقض بتاريخ 22/10/2001 أي أن القرارات صدرت بسرعة خاطفـــة خلافا لجميع القضايا المماثلة ، مما يوحي بضغوط السلطة التنفيذية وهيمنتها على السلطة القضائية والتشريعية بشكل واضح .

   وإن هناك في السلطة التنفيذية وبعض المسؤولين من يريد اعتقاله واعتقال أي رأي حر ينتقد الأخطاء والفساد ، ويطالب بالإصلاح والتطوير. !  يتبين من هذه الإجراءات الأمور التاليـــة :

   1- أن وراء الإخبار المغفل الأول الذي ورد ذكره في كتاب المحامي العــام الأول هو وزير الداخلية السابق، وأجهزة أمنية معينة، كانت تتابع اللقاءات في المنتدى.

  2- أن الإخبار الأول استند إلى ورقة بعنوان ” حركة السلم الاجتماعي ” مبادئ أولية للحـوار.

  3- أن وزير الداخلية هو الذي طلب من وزير العدل تحريك الدعوى استنادا للأخبار المغفل المرفق بالورقة، وأن كليهما طلبا من رئيس مجلس الشعب رفع الحصانة عن رياض سيف، بهدف تحريك الدعوى  أمام قاضي التحقيق واستجوابه دون توقيفه لعله يتوقف عن أي نشاط سياسي، أو يصمت، وتبقى الدعوى مفتوحة لاستصدار موافقة على توقيفه عند اللزوم. ولذلك فإن قاضي التحقيق لم يجد ضرورة لتوقيفه بعد استجوابه بعد أن أنكر التهم المسندة إليه، ولو أن قاضي التحقيق وجد ضرورة للتوقيف لكان قد طلب من المحامي العام العمل على استصدار إذن بتوقيفـه .

   4- إلا إن عودة سيف للإعلان عن محاولة استئناف لقاءات المنتدى ، وتقديم اللجنة الإدارية طلبـا لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، ومن ثم توجيه دعوة لعدد من المفكرين والمثقفين لحضور محاضرة للدكتور برهان غليون حول الإصلاح والتغيير في سورية ، هو الذي دفع السلطة ممثلة بوزير الداخلية ، لتقديم إخبار مغفل جديد في 6/9/2001 أحيل إلى رئيس مجلس الشعب عن طريق وزير العدل ، لاستصدار موافقة على توقيفه أولا ومن ثم تقديمه لقاضي التحقيق    لاستجوابه في 9/9/2001 ومن خلال هذه الإجراءات يتأكد أن السلطة التنفيذية فرضت على السلطة التشريعية ممثلة برئيس مجلس الشعب استصدار موافقة على رفع الحصانة عن عضو في مجلس الشعب في غيبة المجلس ودون أن تتوفر حالة الجرم المشهـود التي تنص عليها المادة 21 من النظام الداخلي للمجلس ودون أن يرفق طلب الإذن بخلاصة عن دعوى أو حكم للتأكيد على أن الملاحقة قائمة على أساس جـدي ، كما تشترط الفقرات ( آ ) و ( ب ) و( د ) من هذه المادة .

   كما فرضت السلطة التنفيذية على رئيس مجلس الشعب إصدار موافقة على التوقيف دون توفر حالة الجرم المشهود  والظروف المشار إليها في المادتين 21 و23 من نظام المجلـس.

  5- كما أن السلطة التنفيذية ، فرضت على السلطة القضائية ، تحريك الدعوى أولا و إبقاءها مفتوحة حوالي ستة اشهر بدون البت فيها على الرغم من انتهاء التحقيق بعد الاستجواب ، ومن ثم إصدار قرار بتوقيفه بمجرد ورود إخبار مغفل من التوقيع وقبل أن يتم استجوابه وسؤاله عن صحة التهم أو عدمها .

   مع أن التهم التي وجهت إليه في بداية الدعوى ولم تستوجب توقيفه بعد الاستجواب هي نفس التهم التي وردت الإشارة إليها في الإخبار الثاني ، ومع ذلك فقد صدرت مذكرة توقيف بتهم سبق أن أنكرها ونفاهـا ، ولم يوقـف.

 6- ثم جاءت السرعة غير المعهودة في قضايا التحقيق ، بصدور قرار قاضي التحقيق بتاريخ 2 / 10 / 2001 بطلب الاتهام ، وصدور قرار قاضي الإحالة في 12/10/2001 وصدور قرار النقض في 2.2 ليؤكد ملامح هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ، و التأثير على استقلالها وحيادها.

   وهذا ما بعث المخاوف والارتياب المشروع لدى وكلاء الدفاع، ولدى المتتبعين والمهتمين بما يجـري ، وولد لديهم شعورا بان إحالة القضية للقضاء العادي ، سوف يكون غطاء وتبريرا لقرار سبق اتخاذه من السلطة السياسـية ، وان دور القضاء العادي ممثلة محكمة الجنايات هو مجرد تمرير لهذا الحكم.

   غير أننا مع ذلك وجدنا أن الواجب المهني وأمانة الدفاع عن الموكل يحتمان علينا أن نقوم بدورنا في الدفاع على الوجه الأكمل وأن نناقش ونفند الاتهامات الموجهة إليه ونكشف افتقارها للأدلـــة وبذلك نشعر بأننا أدينا الواجب الملقى على عاتقنا ، ونأمل أن تخيب ظنوننا وأن نردد بارتياح ” إن بعض الظـن إثم ” .

   وبصدد مناقشة الإجراءات لابد من التأكيد أن إجراء رفع الحصانة – عـن رياض سيف – غير دستوري ، وينطوي على مخالفة أحكام الدستور من ناحية وعلى عدم احترام عضوية مجلس الشعب ومبدأ الحصانة من ناحية أخـرى .

   فالمادة 67 من الدستور تتضمن على أنه ”  يتمتع أعضاء مجلس الشعب بالحصانة طيلة مدة ولاية المجلس ولا يجوز في غير حالة الجرم المشهود اتخاذ أية إجراءات جزائية ضد أي عضو منهم إلا بإذن سابق من المجلس ، وفي غير أدوار الانعقاد يتعين اخذ إذن من رئيس المجلس ويحظر المجلس عند أول انعقاد له بما أتخـذ من إجراء . “

  كما أن المادة 21 / أ من النظام الداخلي للمجلس تنص على حصانة الأعضاء ولا يجوز في غير حالة الجرم المشهود اتخاذ أية إجراءات جزائية أو تنفيذ أي حكم جزائي إلا بإذن سابق من المجلس ، وفي غير أدوار الانعقاد يأخذ الإذن من رئيـس المجلس.

  وتشترط الفقرة ب أن ترفق السلطة المستأذنة خلاصة عن الدعوى أو الحكم .

  ثم تنص المادة 23 – بانه لا يجوز توقيف العضو توقيفا احتياطيا إلا بإذن خاص من المجلس أو من رئيسه في غير أدوار الانعقاد.

  ومن المؤسف انه في قضية المتهم لم تتوفر حالة الجرم المشهود سواء في حـالة طلب رفع الحصانة وتحريك الدعوى العامة ، أو في التوقيف الاحتياطي ، فالجرم المشهود عرفته المادة 28 أصول جزائية بأنه الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه ، و يلحق به الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناء على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منهـا أنهم فاعلوا الجرم خـلال 24 ساعة من وقوعـه ولابد أن يتم تنظيم ضبط أصولي من قبل الضابطــة وتقديم أخبار يحرره صاحبه ويوقع على كل صفحة منه كما تنص على ذلك المواد 25 و 26 و27 أصول جزائية ، وفي حالة الموكل ، لم ينظم ضبط بالفعل المنسوب إليه ولم يقدم أخبار خطي موقع من شخص معروف ، كما لم تتوفر حالة الجرم المشهود أصلا حســــب تعريفه ، وان مجرد ورود أخبار مغفل وغير موقع لا يمكن أن يكون مستندا لرفع الحصانة ، فضلا عن عدم وجود تحقيقات رسمية وهكذا فان إجراء رفع الحصانة وإجراء التوقيف الاحتياطي ، مخالف للمادة 67 من الدستور والمادتين21 و  23 من النظام الداخلي لمجلس الشعب ، ومــن المفارقات الملفتة للنظر ، أن إجراء رفع الحصانة قد تم بتاريخ 15/2 / 2001 وإن النظام الداخلي للمجلس ينص في المادة 21 – أ على أن المجلس يعقد ثلاث دورات عادية في السنة ، وان الدورة الثانية من منتصف شهر شباط وفي نهاية شهر آذار ، ويستنتج من ذلك أن رفع الحصانة تم في فترة انعقاد المجلـس والإذن لابد أن يصدر عن المجلس في دورة الانعقاد ، لأن إذن رئيس المجلـس تكون في غير أدوار الانعقاد كما تنص المادة مما يجعل الإجراء معدوما من أساسه لمخالفته أحكام الدستور وتكون جميع الإجراءات اللاحقة من تحريك الدعوى ، والاستجواب والتوقيف الاحتياطي و الاتهام باطلة ومعدومة لأن ” ما بني على   الباطل فهو باطـل ” وكذلك فانه لا يترتب على الإجراء المعـدوم أي أثر مما يستدعي وقف التبعات القانونية بحق المتهم وإطـلاق سـراحه .

  واحتياطيا – ومع التأكيد على انعدام الإجراءات ، فان مناقشة قرار الاتهام تظهر عدم ثبوت تهمة الاعتداء على الدستور، وعدم توفر العناصر القانونية للجنح المنسوبة إليه كظنين في قرار قاضي التحقيـق .

 ثانيا- في الاتهـام والأدلــــــــــــــة عليــــــه :

– ينسب قرار قاضي الإحالة إلى المتهم ” إقامة وتأسيس جمعية سرية ذات أهداف منافية للقانون : أطلق عليها اسم ” حركة السلم الاجتماعي ” مقرها في منزله في صحنايا.

 – وإن المجتمعين يتناولون فيها القضايا الوطنية على شكل خطابات سياسية بقصد النيل من هيئة الدولة والإساءة للنظام السياسي القائم ، وتحريض المجتمعين للعمل على مواجهة السلطة ومهاجمة الدستور بقصد تغييره ، وذلك دون إذن مسبق من السلطات المختصة.

– كما أقدم على إصدار عدة بيانات باسم حركة السلم الاجتماعي منها البيان المؤرخ في 31/1/2000 الذي تضمن خطة حركته ، حيث تحدث فيه عن برنامجه السياسـي  ودعا إلى تشكيل جمعية تأسيسية تعمل على صياغة دستور جديد للبلاد ينسجم مع الاحتياجات الراهنة والمستقبل المنظور. واصفا الدستور الحالي بأنه يرسخ الاستبداد ، وحرض على تغييره بطرق غير مشروعة تمثلت بإخافة الناس والتهويل ومحاولة منه لإثارة الشعور بعدم الثقة بين المواطنيـن.

 – أدلي بتصريحات وبيانات في وسائل إعلام عربية و أجنبية ، أصر من خلالها على الاستمرار بعقد

    الندوات والاجتماعات.

   واستند قرار الإحالة في إثبات وقائع الاتهام والظن على الأدلة التاليــة :

1- البيان الذي يحمل عنوان ” حركـة السلم الاجتماعــــــي “.

2- محضر استجواب المتهم سيف بضبط التحقيق في 3 / 3 / 2001 واعترافه بصدور البيـان عنه.

3- محضر استجوابه بضبط التحقيق في 9 / 9 / 2001 واعترافه بصدور كافة التصريحات والبيانات عنـه، وتضمن قرار الاتهام أن هذه الأدلة التي أوردها كافية لإثبـات :

4- تهمة الاعتداء على الدستور بقصد تغييره ، وذلك من خلال الاجتماعات التي كان يدعو إليهـــــا والمناقشات التي كانت تدور فيها ، بقصد تغيير الدستور بطرق غير مشروعة، والإساءة للدستور الحالي، وقد تأيد ذلك في البيان المؤرخ في 31 / 1 / 2001 حيـث تضمـن: ” استئثار حزب البعث بالسلطة كقائد للدولة والمجتمع ”  وتأيد ذلك بما جاء في صفحة 4 من البيان عن ” تشكيل جمعية تأسيسية تعمل على صياغة دستور جديد للدولة ينسجم مع الاحتياجات       الراهنـة والمستقبل المنظـور “.

وانتهى إلى اتهامه بجناية الاعتداء على الدستور وفق أحكام المادة /291/ عقوبات والظن عليه بما ورد في قرار قاضي التحقيق.

ثالثاً – في مناقشة الاتهام والظن والأدلة:

  1. تهمة الاعتداء على الدسـتور :

        تنص المادة 291 عقوبات على انه ” 1- يعاقب على الاعتداء الذي يستهدف تغييـر دستور الدولة بطرق غير مشروعة بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل. 2- “وتكون العقوبة الاعتقال المؤبد إذا لجـأ الفاعل إلى العنف “. إذن فالركن المادي في الاعتداء في الفقرة الأولى هو اللجوء إلى ” طرق غيـر مشروعة ” في تغيير الدستور، ليتحقق جرم الاعتداء على الدستور بالإضافة إلى الركن المعنوي الذي لابد من توفره في أي جرم وهو ” النيـة ” أو القصد كما أن الركن المادي في الفقرة الثانية هو استخدام العنف في تغيير الدستور.

 وبمقارنة الوقائع التي ينسبها قرارا الإحالة للمتهم مع نص المادة والأدلة التي يستند إليها يتبين انتفاء الركن المادي وهو ” الطرق غير المشروعة ” في الحالة الأولى والعنف في الحالة الثانية والقرار نفسه ينفي اللجوء إلى العنف في تهمة الاعتداء على الدستور فيتضمن ما نصه ” وحيث أنه لا يشترط لقيام هذه الجريمة أن تترافق بأعمال عنف مادية و إنما يكفي الأسلوب المعنــــوي الذي أتبـع. ” – صفحة 3 من القرار – وبذلك يكفينا القرار نفسه مؤونة مناقشة الفقرة الثانية. ويجعل النقاش محصورا  فيما أسماه ” الأسلوب المعنوي ” .

  ويعدد القرار الوقائع المتعلقة بذلك في حقل المناقشة والتطبيق القانوني على النحـو التالــــــــي :

  أن ميثاق حركة السلم الاجتماعي تضمن بنودا تهدف إلى الاعتداء على الدستور بقصد تغييره، وذلك من خلال الاجتماعات التي كان يدعو إليها والمناقشات التي  كانت تدور فيهـا بقصد تغيير الدستور بطرق غير مشروعة و الإساءة للدستور الحالي. إذن فالوسائل هي اجتماعات ومناقشات كانت تدور في منزل المتهم في صحنايا أو خطابات، فكيف يمكن أن يكون ذلك طرق غير مشروعـة ؟

  يحاول القرار تعليل ذلك بالقول ” محرضين المواطنين على تغييره ( أي الدستور) وبالقول أن بيان حركة السلم الاجتماعي جاء فيه ( استئثار حزب البعث للسلطة كقائد للدولة والمجتمع ).

  وإن البيان تضمن في الصفحة 4 تحت عنوان البرنامج السياسي. ” تشكيل جمعية تأسيسية تعمل على صياغة دستور جديد للدولة ينسجم مع الاحتياطات الراهنة والمستقبل المنظور. “

  ثم يستطرد في تعليل ” الأسلوب المعنوي الذي اتبع ” إن عقلية الجمهور الـتي وجهت إليه هذه الدعوات ومستوى تفكيره وثقافته ودرجة احتماله وبعد نظره وما تضمنته هذه البيانات من عبارات التهويل والتحريض المتعمد. “.

  إن النقاش الهادئ لهذه المقولات يكشف عدم انطباقها على الفقرة الأولى من المادة /291/ وعدم اللجوء إلى طرق غير مشروعة فيما يتعلق بالدستور.

  فاللقاءات تتم في منزل المتهم سـيف ويحضرها نخبة من المفكرين والمثقفين بما فيهم عدد من أساتذة جامعة من حزب البعث، ولا تتم في الشوارع والساحات العامة ، وليست موجهة إلى الجمهور وعامة الناس ، كما ألمح إلى ذلك القرار من عقلية الجمهور ومستوى تفكيره ، فقد كان الحضور من طراز الشهود الثلاثة الذين استمعت إليهم المحكمة الموقـرة. !

   وحتى لو كان الخطاب موجها للجمهور وتضمن مطالب تعديل بعض مواد الدستور ليتلاءم مع المتغيرات ، والتطورات السياسية والاقتصادية ، فان ذلك لا يمكن اعتباره طرق غير مشروعة طالما انه يستهدف الإقناع وتطوير الوعي بهـذه المطالــب.

   أما ما ورد في بيان حركة السلم الاجتماعي عن ( استئثار حزب البعث للسلطة كقائد للدولة والمجتمع ) فهو تعبير عن واقع، كرسه نص المادة 8 من الدستور فحصر قيادة الدولة والمجتمع في الحزب والجبهة، وهذا النص يخالف بوضوح ميثاق الجبهة الذي ينص على أن الجبهة الوطنية التقدمية تضع الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، للدولة وتقر مسائل السلم والحرب ، والنص الدستوري يلغي تماما هذا الدور ، كما أن المادة 25من النظام الأساسي تتضمن أن القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، هي قيادة لكل القوى المنضوية في الجبهة، أي أنها القيادة العليا، لأحزابها.

  ومن الرجوع إلى ضبوط جلسات مجلس الشعب عند مناقشة مشروع الدستور في شهر شبــــاط 1973 يتبين أن جميع ممثلي أحزاب الجبهة ، في المجلـس – عدا حزب البعث – قد صوتوا ضد المادة 8 ، وطلبوا حذفها أو تعديلها لأنها تخالف الميثاق والنظام الأساسي.

  وقد خرج حزب الاتحاد الاشتراكي العربي من الجبهة ، بعد ذلك احتجاجا على إقرار هذه المادة، دون أن يترتب على معارضته لها ونقده لوجودها في الدستور منذ ذلك الوقت وفيما بعد أي مساءلة بهذا الخصوص.

  إذن لم يكن المتهم هو الوحيد الذي أشار في المرحلة الأخيرة إلى ضرورة تعديل هذه المادة ، كما أن المطالبة بذلك ليست موجهة ضد الدور الذي يمكن أن يلعبه الحزب ، فدوره أو دور أي حزب في المجتمع يتحدد بالأغلبية التي يحصـل عليها في انتخابات ديمقراطية ، وتكون معيارا لشعبيته دون حاجة إلى نص في الدسـتور.

  وكذلك فان استنتاج قرار الإحالة من أن الفقرة التي تضمنها بيان حركة السلم الاجتماعي عن ” تشكيل جمعية تأسيسية تعمل على صياغة دستور جديد للدولة. ” فهو استنتاج خاطئ ، إذ أن هذا القول لابد أن يفسر لصالح المتهم ، فالطرق المشروعة في وضع أي دستور أو تعديله تكون من خلال انتخاب جمعية تأسيسية لهذه الغاية ، أو من خلال تعديلات على الدستور يجريها مجلس نيابي منتخب.

  وقد تضمن دستور عام 1973 موادا بهذا الخصوص ، إذ نصت المادة 151على جواز تعديل الدستور بعد 18 شهرا على صدوره ، و هذا النص يفتح الباب أمام أي مواطن للمطالبة بالتعديل. كما أن الباب الثالث خصـص لكيفية تعديل الدستور في المادة 149 بفقراتها الأربعة، وحق اقتراح التعديل لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس الشعب، والكيفية التي يتم بهـا التعديل.

 كما أن ما ورد في قرار الاتهام من أن بيان حركة السلم الاجتماعي تضمن أن الدستور الحالي يرسخ الاستبداد. لا دليل عليه ولم ترد أي فقرة في البيان من هذا القبيل وأن ما تضمنه بخصوص الدستور في فقرة البرنامج السياسي والضمانات المطلوبة التي عددها لا يخرج عن الطرق المشروعة ويلتزم بالأسلوب الديمقراطي من خلال انتخاب سلطة تشريعية واستفتاء شعبي.

 وقد أكـد الشهود المستمعين نذير جزماتي ورضوان زيادة ويوسف سلمان أن ما طرح في المنتدى على لسان المتهم حول تعديل بعض مواد الدستور يتلاءم مع التطورات الحاصلة، يقتصر على الأسلوب الدستوري والديمقراطي لقـد كان بيان حركة السلم الاجتماعي مبادئ أولية الحوار كما نص في مطلعه وكما أكد الشهود ، وتعبير ” السلم الاجتماعي ” يتناقض مع العنف أو التحريض عليه أو العمل بطرق غير مشروعة بالاعتداء على الدستور ولـم  يرد في البيان أي إشارة لذلك.

 كما أن التقرير الموجود في إضبارة الدعوى والذي يشير إلى أقوال صحف عربية وأجنبية وتلفزيونية وينسب بعض التصريحات إلى المتهم يشير إلى مطالب المتهم حول رفع الرواتب والأجـور والمعاشات التقاعدية والإصلاح الاقتصادي والسياسي ، ومناقشة الميزانية، ولا يتضمن أي دليل على الاعتداء على الدستور ، وكذلك فان إفادته بضبط التحقيق في 3 / 3/ 2.2 تنفـــي التهمة جملة وتفصيلا ويوضح فيها ما يعنيه حول ما ورد في المادة 8،وكذلك إفادته الثانية بتاريخ       9 / 9 / 2001 وفي ضبط استجوابه الإداري.

 كل ذلك ينفي تهمة الاعتداء على الدستور من أساسهـا.

    1- جنحة إثارة النعرات الطائفية والمذهبيـة :

    تنص المادة 307 عقوبات على عقوبة الحبس ، لكل عمل أو كتابة أو خطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية ، أو الحض على النزاع بيـن الطوائف ومختلف عناصر الأمة.

    وقد اعتبر قرار قاضي التحقيق أن بيان حركة السلم الاجتماعي ” يتضمن عبارات تنطـوي على إضعاف الشعور القومي وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية.

    واستعراض البيان الذي اعتبر كمشروع أفكار أولية للحوار والنقاش ، لا يثبت شيئا من ذلك ، بل يؤكد نفي هذا الظن، كما أن الواقع ينفيه فلجنة المنتدى ، والحضور منهم المسلم والمسيحي ومنهم من ينتمي إلى بعض المذاهب أومن أصل غير عربي، كما انه لم يعرف عن المتهم خلال إدارته لمؤسساته الصناعية،غيـر الاحترام والتعامل والتعاون مع الجميع بروح التسامح والمحبة.

   وقد أكد الشهود الثلاثة أن المتهم كان بعيدا عن أي نظرة طائفية ومذهبية أو عنصرية .

  1- جنحة تشكيل جمعية سرية  وعقد اجتماعات مخالفة للقانون وفق المواد 327 و328 عقوبات و335 و 336 منه ، ويشير قرار قاضي التحقيق إلى إقدام المدعى عليه على تشكيل جمعية سرية لأغراض منافية للقانون وتولي منصبها وعقد اجتماعات مخالفة للقانون ، وذلك في منزله في بلدة صحنا يا ، و إبقاء الجمعية مفتوحـة دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهات المختصـة. وإن ذلك ثبت بتصريحاته للصحف كالرأي العام والسياسية , والوطـن والسفير ، والحياة ، التي تؤكد بمجموعها انه سيستمر بعقد الاجتماعات والندوات السياسيـــة وأنه ليس بحاجة إلى موافقـة.

كما أن قرار قاضي الإحالة يضيف إلى ذلك أن المتهم ” بادر إلى إقامة وتأسيس جمعية سرية ذات أهداف منافية للقانون أطلق عليها اسم حركة السلم الاجتماعي، حيث يتناول المجتمعون فيها القضايا الوطنية على شكل خطابات سياسية القصد منها النيل من هيبة الدولة، والإساءة للنظام السياسي وتحريض المجتمعين على مواجهـة السلطة. “

وحيث أن المتهم قد نفى ما أسند إليه ، وحيث أن الورقة المعنونة باسـم حركة السلم الاجتماعي هي مجرد أفكار ومبادئ أولية للمناقشة والحوار كما أوضح المتهم وكما أكد الشهود جزماتي وزيادة ، وسلمان، والحوار يجري في منزل المتهم في لقاء مفتوح يحضره مثقفون من اتجاهات عديدة بما فيها البعثيون .

وحيث أن المادة 327 / 1 تنص على أن الجمعية أو الجماعة تعد سرية لها صفـة الجمعية ، إذا كان غرضها منافيا للقانون ، وكانت تقوم بأعمالها أو ببعضها سـرا.

وحيث أن كلا الشرطين غير متوفر في حالة المتهم ، فاللقاءات في منزله كانت تتم بهدف المناقشة والحوار، والمساهمة في قضـايـا الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهي أهداف مشروعة، كما أن هذه اللقاءات والحوارات كانت علنية، وتحت سمع السلطة السياسية وبصرهـا وبمشاركة مثقفين من حزب البعـث .

  وقد تبين بالتحقيقات وأقوال الشهود ، إن هناك عدد من المنتديات في مدينة دمشق ،  في منازل خاصة ن تجري فيها لقاءات علنية للحوار الوطني ، على النحو الذي كان يتم في منزل المتهـم .

  كما أشار الشهود إلى اللقاء الذي جرى بين السيد عبد الحليم خدام وبيـن رياض سيف ، والحديث معه حول فكرة تشكيل حزب، وقول نائب الرئيس عن الإعداد لقانون أحزاب ، لهـذا كان تأكيد الدفاع على أن عناصر جرم تشكيل جمعية سرية، غير متوفرة ، ولم يقم أي دليل على قيامهـــا.

  أما عقـد الاجتماعات المخالفة للقانون ن والظن على المتهم وفق أحكام المادتين 335 و 336 عقوبات ، فلا ينطبق على الوقائع المنسوبة إلى الموكل إن المادة 335 ، تربط الاجتماع بالغاية والغرض ، أو مكان انعقاده ، من ناحية ، كما تربط الاجتماع الذي يجري في مكان عام ، مباح للجمهـور بحدوث صياح ، أو أناشيد أو شغب يؤدي إلى اضطراب الأمن العام. والاجتماعات التي عقدت في منزل المتهم لم تكن في مكان عام مباح للجمهور ، ولم يحدث فيها شغب أو اضطراب بالأمن العام ، مما ينفي هذا الظرف ، وبالتالي فان الاجتماع له طابع الاجتماع الخاص ، وغايته مشروعة ، وقد جاءت استجابة لمرحلة جديدة أعلن فيها أعلى مسؤول في الدولة ، شـعار الإصلاح مما ينفي مخالفـة أحكام القانـون .

كما أن نص المادة /336/ عقوبات لا ينطبق على الوقائع المنسوبة إلى المتهـم الظنين لأنها تشترط  وجود حشد على الطرق العامة، والأمكنة المباحة للجمهور، وكلا المادتين تحت عنوان تظاهرات الشغب ولا يمكن وصـف اللقاء في منزل رياض سيف لعدد محدود من المثقفين بهدف الحوار الوطني والإصلاح الاقتصادي والسياسي بالأسلوب الديمقراطي .

لقد حرص الدفاع على استجلاء كل ما أحاط بهذه القضية من التباس فغي مواجهة الادعاءات والتهم التي أوردها قرار الإحالة، فتقدم بمذكرة طلب فيها دعوة شهود وبمذكرة ثانية تضمنت الوقائع التي تتعلق بكل شاهد وقدم شريطي كاسيت عن وقائع لقاء 5/9/2001 وطلب الاستماع إليها قبل الحكم بالدعوى لنفي ما ورد في تقارير مغفلة.

ثم تقدم بمذكرة أكد فيها على إعادة الاستجواب ودعوة نائب رئيس الجمهورية وغيره من الشهود على وقائع هامة وأساسية وبخاصة بعد تأكيد الشهود المستمعين على اللقاء الذي جرى مع الأستاذ خدام، وإننا نؤكد على تلك المذكرات السابقة ونطلب إجابة هذه الطلبات لأهميتها وتأثيرها على مجريات القضية. واستطراداً فإن الأدلة على الاتهام والظن غير متوفرة أوانها ضعيفة وهي إذا كانت كافية للاتهام والظن ، لن الاتهام يبنى على الاحتمال، فإنها غير كافية للإدانة عند إصدار الحكم الذي لابد أن يستند إلى أدلة جازمة وتبلغ حد اليقين في تكوين القناعة .

إن مثل هذا الحكم لا يتعلق بشخص المتهم ، ولا بحالة فردية ، إنما يتعلق بقضية وطنية ، وقضية الحريات ، وقضايا الإصلاح والتطوير ومحاربة الفساد التي رفعها العهد الجديد واستجاب لها المتهم وتحمس لها فأراد خصوم الإصلاح من بعض الوزراء السابقين وبعض المسؤولين من خصوم الإصلاح بقطع الطريق أمام رياح الإصلاح والتغيير، وهو من حيث النتيجة عنوان لاستقلال القضاء أو العكـس.

         لكــــــــــــل ذلك نلتمـــــــس الحكم بمايلــــــــــي :

 
  1. إعـلان براءة المتهم من تهمة الاعتداء على الدستور لعدم الثبـــوت.
  2. إعلان براءته من الجنح المنسوبة إليه.
  3. واحتياطيا – الحكم بعدم مسئوليته لعدم توفر العناصر القانونية للأفعال المنسوبة إليـه.

 4-     إطلاق سراحـه وفي ذلك إعمال لمفهوم العدل وتطبيـق للعدالة وتحقيق لدور القضاء باعتباره “مؤسسة عدل وإنصـــاف “.

 وشـكرا لكم أيهـا الســـــــــادة

                         وكيــــــــل الدفــــــــــاع