“حدائق الإنتاج” مشروع مزارع فرص العمل الصناعي في الريف السوري
يسعد “الشفّاف” أن ينشر الدراسة التالية التي وردتنا (بدون تعليق) صباح اليوم من المعارض والصناعي السوري رياض سيف. وكان رياض سيف قد أعلن قبل أشهر إنسحابه من قيادة “إعلان دمشق” بسبب وضعه الصحّي الدقيق، الذي لم تعتبره سلطات دمشق سبباً كافياً للسماح له بالسفر للعلاج في الخارج.
وإذا سمح لنا رياض سيف أن ندلي برأي لم نناقشه معه ولا يتحمّل هو مسؤوليته، فقد اعتبرنا “إنسحابه” فكرة صائبة كـ”مُضاد” للعقلية “العثملية” التي ما تزال تحكم بعضاً من المعارضة السورية، فتدفعها لتحويل مجموعة مبادئ إلى “منظمة” أو “منظمات” أوّل ما تقوم به هو انتخاب رئيس أو مسؤول أو أمين سرّ.. إلخ. ليبدأ بعد ذلك مسلسل خلافات، وإنشقاقات يذكّر بتجارب حزبية انقضى زمنها..
مبادئ “إعلان دمشق”، ونعتقد أن رياض سيف يوافقنا على ذلك، كانت “ماركة غير مسجّلة” يمكن لأي سوري، وخصوصاً لأي شاب سوري، أن “يستولي عليها” ويصبح ناطقاً بإسمها، ويعدّل فيها إذا دعا الأمر (وهذا ينطبق على بعض من يؤيّدون “إعلان دمشق” مع التحفّظ على بعض بنوده.)، دون “أخذ الإذن” من أحد. (لا نعرف حتى الآن إذا كان “شباب الإنترنيت” في تونس “استأذنوا” أحداً لإطلاق تحرّكهم المدهش…!).
وفي النهاية، يحيّي “الشفّاف” مبادرة “الصناعي” رياض سيف لإعداد هذه الدراسة بعنوان “مشروع مزارع فرص العمل الصناعي في الريف السوري”، لأن “الصناعة” ميدانه الأول، ولأن الريف السوري لن يجذب رؤوس الأموال الباحثة عن أرباح سريعة في عقارات المدن، بصورة خاصة.
بيار عقل
- * * *
دراسة أولية
“حدائق الإنتاج“
مشروع مزارع فرص العمل الصناعي في الريف السوري
تواجه سورية، مثل الكثير من الدول النامية، تحدياَ كبيراً في إيجاد فرص عمل للوافدين الجدد إلى سوق العمل، المقدرة بمئات الآلاف سنوياَ. هذا بالإضافة إلى ضرورة التصدي لمشكلة البطالة المقَنّعة التي تشمل بنسب متفاوتة كثيراَ من العاملين في مؤسسات الدول الإنتاجية منها و الخدمية، وكذلك العمال الموسميين في الزراعة، والعمال المياومين في أعمال البناء. ويعاني أبناء الريف السوري أكثر من غيرهم من البطالة في قراهم حيث فرص العمل في الزراعة محدودة ولا يمكن ان تستوعب الزيادات السكانية، لذا نرى أن الحاجة ماسة لتكاتف كل الجهود لمواجهة هذا التحدي، وخاصة بعد أن جاء الجفاف في السنوات الأخيرة، ليزيد الوضع خطورة، بعد ان اضطر مئات الآلاف من سكان المحافظات الشرقية للهجرة إلى دمشق- ومدن كبرى غيرها- بحثاَ عن قوت يومهم.
في العقد الأخير، حاولت الحكومة أن تتصدى لمشكلة البطالة ببرامج متعددة، بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي و بعض منظمات المجتمع المدني, ولكن إجمالي عدد فرص العمل التي وفرتها تلك البرامج لا يمكن أن يشكل الدواء الناجع لحل مشكلة البطالة. ولا بد من البحث عن مزيد من الحلول وبالسرعة الممكنة؛ وهذا يدفعني لطرح بعض الأفكار والحلول لعلها تساهم في توفير فرص عمل شريف، يؤمن حياة كريمة لأكبر عدد ممكن من المواطنين في الريف السوري.
دور الصناعة في خلق فرص العمل:
إن الصناعة هي مؤشر قوة اقتصاد الدولة. فعندما نتكلم عن الدول ذات الاقتصادات القوية فإنما نعني الدول الصناعية تحديداً، حيث تولّد فرصة العمل الصناعي فرصَ عمل أخرى، وتكون نسبة مساهمتها في إجمالي الناتج القومي مرتفعة. وتزداد أهمية فرصة العمل الصناعي عندما تكون مخصصة للتصدير، وهو ما يميزها عن فرص العمل في المجالات الأخرى، مثل التجارة والخدمات والسياحة.
يظهر ذلك جلياّ- مثلاً- في الاقتصاد الألماني، حيث يعمل في الصناعة 5 ملايين إنسان، من أصل ما يقارب 40 مليون في سوق العمل؛ وحيث تساهم الصناعة بنسبة تقارب 37% من مجمل الاقتصاد الألماني.
الصناعة السورية تواجه التحديات:
قبل تطبيق اتفاقية التبادل الحر مع الدول العربية ومع تركيا مؤخراً، وقبل فتح باب الاستيراد على مصراعيه؛ كانت الصناعة السورية على مدى عقود تنعم باحتكار السوق المحلي دون منافس، وكانت قادرة على فرض أسعارها على المستهلك السوري الذي لم يكن يملك أية خيارات بديلة، وكانت تلك الأسعار تتضمن كل مايضطر المنتج السوري إلى تعويضه من التكاليف البيروقراطية والتكاليف غير الضرورية والتكاليف الطفيلية و تكاليف الرشى والأتاوات. وعلى سبيل المثال، أصبحت أسعار الموبيليا المصنعة في ورشات دمشق تعادل أضعاف مثيلاتها في الدول الأخرى. والشيء نفسه ينطبق على الكثير من منتجات الصناعات الحرفية.
أدت تلك الأجواء التي عاشتها الصناعة لعقود إلى ضعفها الشديد وتخلفها، فوجدت نفسها فجأةً ودون استعداد كافٍ أمام منافسة شرسة وغير عادلة، أدت إلى خسارتها قسماً كبيرا من السوق المحلي في الكثير من الصناعات، وباتت مهددة بخسارة المزيد، ما لم تتضافر الجهود لإنقاذها.
الصناعات الحرفية في سورية:
يمكننا تصنيف الصناعات في سورية في ثلاث مجموعات، من حيث المكان الأنسب لإقامتها:
1. صناعات تعتمد على خطوط الإنتاج الآلي، وتحتاج إلى استثمارات كبيرة، ومساحات واسعة لصالات الإنتاج و المستودعات، وتوظف عدداً قليلاً نسبياً من العمالة، واستهلاكها للطاقة مرتفع. والمكان المناسب لهذا النوع من الصناعات هو المدن الصناعية مثل حسياء و عدرا وغيرها.
2. صناعات خفيفة غير نظيفة مثل الصناعات المعدنية اليدوية وصناعة الآلات والمعدات الزراعية وصيانة السيارات و الآلات الزراعية. والملائم لمثل هذه الصناعات هو تجميعها في مكان مناسب على أطراف المدن و القرى.
3. الصناعات الحرفية النظيفة، وهي صناعات خفيفة أيضاً، تعتمد على المهارات الفردية، وتحتاج إلى عمالة مكثفة، وليست بحاجة إلى استثمارات كبيرة – كلفة خلق فرصة العمل فيها منخفضة-، كما أن المساحة اللازمة لكل فرصة عمل صغيرة، تصريف منتجاتها غير محدود إذا ملكت القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. وهي- على سبيل المثال لا الحصر- صناعات الملابس والمطرزات و البروكار و الأغباني والمنتجات الجلدية من ملابس و جزادين وأحذية، وصناعة الموبيليا والمفروشات و الحفر على الخشب و الموزاييك وصناعة التحف المخصصة للسواح، وصناعة الآلات الدقيقة والبرمجيات و الصناعات الإلكترونية، وغيرها من الصناعات التي تتوفر فيها تلك الشروط.
الواقع الحالي للصناعات الحرفية النظيفة:
1. تنتشر حالياً آلاف الورشات الحرفية لصناعات الملابس والموبيليا وغيرها من الصناعات الحرفية بشكل عشوائي في المدن الكبرى. وغالبا ما تتواجد في الأحياء القديمة و الاقبية و مناطق السكن العشوائي، وتشغل مساحات ضيقة وغير صحية، وتشكل مصدر إزعاج للجوار، كما تشكل ضغطاً زائداً على شبكات الكهرباء غير المجهزة أساساًً للاستهلاك الصناعي، وكثيراً ما تتسبب باندلاع الحرائق.
2. يتم تعلم الصنعة أو الحرفة حالياً بالطرق التقليدية في المصانع والورشات فقط، بسبب عدم توفر المدارس و المعاهد الحرفية المتخصصة مما يجعلها متخلفة عن مثيلاتها في الكثير من الدول الاخرى المنافسة (فالقسم الأعظم من العمال الحرفين حالياً هم عمالاً تركوا مقاعد الدراسة بعد المرحلة الإبتدائية ليتثنى لهم تعلم الصنعة وممارستها لبضع سنوات قبل إلتحاقهم بخدمة العلم).
3. تشكل كلفة البناء وأجور العمال القسم الأكبر من تكاليف الإنتاج. وتواجد الورشات في المدن بين الأحياء السكنية يرفع تكاليفها بشكل كبير مع ارتفاع أسعار الأبنية؛ مما يشكل عبئاً إضافياً على تكاليف الانتاج. كما أن أجور العمال في المدن الكبرى أعلى منها في الريف، تماشياً مع ارتفاع تكاليف المعيشة في المدينة.
4. إن القسم الأعظم من العاملين في هذا النوع من الصناعات في المدن الكبرى هو من الوافدين من المناطق الريفية بحثاً عن فرص العمل.
5. الظروف الصعبة و التكاليف المرتفعة التي تواجهها الصناعات الحرفية جعلتها في كثير من الأحيان عاجزة عن منافسة البضائع المستوردة، مما أدى إلى تراجعها في السنين القليلة الماضية. ونحن لا نملك إحصائيات دقيقة عن هذا الموضوع، ولكن المتتبع له يلاحظ أن عدداً كبيراً من هذه الورشات قد أغلقـ والقسم آخر قد قلص إنتاجه بشكل كبير، مما يتسبب بزيادة عدد العاطلين عن العمل، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة لخلق فرص عمل جديدة.
الريف السوري يصدّر مئات الألوف من الأيدي العاملة إلى لبنان
ميزات الصناعات الحرفية النظيفة
• تتميز منتجات الصناعات الحرفية بأهمية قيمتها الجمالية، التي تحتاج إلى الذوق وفن الصنعة والإبداع.
• تعمل في الصناعات الحرفية شركات صغيرة و متوسطة، إن طبيعة العمل وكثافة العمالة في هذا النوع من الصناعات تجعلان من أهم عوامل نجاحها بناء علاقة تشاركية بين العامل ورب العمل، تزيد من شعور الانتماء إلى المؤسسة لدى العاملين، وتحفزهم على السعي كفريق عمل لتحسين قدرة منتجات الشركة على المنافسة. إن هذا الشعور يساهم باستقرار العمالة وتراكم الخبرة و يساعد المؤسسة على تقديم منتج متميز يحمل بصمتها.
مشروع نشر الصناعات الحرفية النظيفة في الريف السوري
إن تقديم الدعم و الحماية والرعاية للصناعة السورية بات حاجة اجتماعية ملحة، إضافة إلى كونه حاجة اقتصادية. وإن الهدف من هذه الدراسة الأولية هو المساهمة في إيجاد أفضل الطرق الممكنة، التي تؤدي إلى تطوير وازدهار قطاع هام من الصناعة السورية هو قطاع الصناعات الحرفية النظيفة لكي نستطيع تحقيق ما يلي:
1. توفير مئات آلاف فرص العمل في مختلف أنحاء الريف السوري، لأن العمل في الزراعة لا يمكن أن يستوعب كل الزيادات السكانية، بعد أن ازداد عدد سكان سورية أكثر من أربعة أضعاف خلال الخمسين سنة الماضية.
2. توفير فرص عمل للمرأة في الريف بصناعات مناسبة، مثل صناعة الملابس والمطرزات اليدوية والنصف آلية وصناعة التحف الفنية والهدايا المصنعة يدوياً والتي يهتم السواح باقتنائها، وغيرها من الصناعات الحرفية النظيفة.
3. توفير التعليم والتأهيل و التدريب اللازم لرفع قدرة أبناء الريف على ممارسة عمل منتج في الصناعة، يزيد من دخل الأسرة ورفع مستوى المعيشة ويساهم بالتالي في رفع الناتج القومي.
4. توطين العمالة في الريف ووقف هجرة أبنائه جرياً وراء لقمة العيش، والتي غالباً ما تجبرهم على قبول العمل في ظروف غير إنسانية، وبأجور زهيدة، بعيداً عن الأهل و الأصدقاء.
5. تخفيف الضغط عن المدن الكبرى، التي باتت تنوء من وطأة اكتظاظ السكان وانتشار السكن العشوائي والفقر والجريمة، وبخاصة دمشق وحلب.
6. تحسين ظروف العمل وخفض التكاليف وإزالة ما أمكن من العقبات أمام تحقيق هدف رفع القدرة التنافسية لمنتجاتنا الصناعية في الأسواق المحلية وتشجيع التصنيع من أجل التصدير.
حدائق الإنتاج هي الحل:
إن تجمع عدد كبير من العمال في مكان واحد يعملون بجد ثمان ساعات يومياً، لتصنيع منتجات تحمل الصفة الجمالية و الذوق والفن، يستحق ان يتوفر له مكان صحي معتدل الحرارة سهل التنظيف، محاط بحديقة صغيرة ومجهز بالخدمات الضرورية لكي يكون مكاناً محبباً ومريحاً يخفف من مشقة العمل ويساعد على جودة الانتاج وتنشيط الإبداع. يقام في أماكن تواجد طالبي فرص العمل، ضمن مخطط منظم للمصانع و الورشات، تتوفر فيه كافة الخدمات اللازمة…. هذا ما نطلق عليه اسم ” حدائق الانتاج”.
تتألف حدائق الإنتاج من مركز وأطراف:
المركز:
وهو يضم المعاهد والمدارس المهنية ومراكز التدريب والتأهيل، التي تزود المصانع بالكوادر المؤهلة حسب الحاجة. كما يضم فروع الخدمات المصرفية وشركات التامين و المكاتب الحكومية لتسهيل معاملات المستثمرين- والتي يفضل أن تكون من خلال نافذة واحدة- وأمانة جمركية تنجز معاملات التصدير والاستيراد على مدار الساعة ومراكز الخدمات الصحية والاجتماعية و موردي المواد الأولية ولوازم الإنتاج وموردي الآلات وقطع التبديل ومراكز الصيانة وصالات المعارض الدائمة ومكاتب التسويق والتصدير، إضافة إلى الأبنية اللازمة لإقامة صالات الإنتاج حسب الحاجة، وضمن مخططات تنظيمية قابلة للتوسع كلما دعت الحاجة.
الأطراف:
تقام في البلدات والقرى المحيطة بالمركز صالات للإنتاج بمساحات مختلفة حسب الطلب، لإقامة الورشات والمصانع، ضمن مخطط تنظيمي قابل للتوسع كلما دعت الحاجة. يجري تخديمها من المركز.
لذا علينا هنا القيام بدراسة التوزع السكاني في سورية، لاختيار مراكز مختلفة لإقامة الصناعات الحرفية النظيفة، بعيداً عن المدن الكبرى وحسب حاجة التجمعات السكنية فيها لفرص العمل. ومن ثم يمكن وضع خارطة لتوزع مراكز الصناعات الحرفية في سورية. مثال:
يمكن أن تشكل مدينة إزرع مركزاً مناسباً لحدائق الإنتاج في المنطقة الجنوبية، حيث يمكنها تخديم الأطراف، التي قد تقام في درعا والسويداء ونوى وبصير وجباب و الصنمين والشيخ مسكين وخبب وغيرها من القرى المحيطة.
إن حدائق الانتاج مهيئة لاستقبال الأنواع التالية من المستثمرين:
1. الورشات القائمة حالياً في المدن الكبرى، والتي تبحث عن أماكن أرحب بتكاليف إنتاج أقل.
2. شركات متوسطة الحجم لصناعات حرفية قائمة، ترغب في التوسع بإنتاجها.
3. شركات وطنية أو أجنبية تُقام بغرض التصنيع من أجل التصدير.
4. كوادر شابة تطمح إلى تأسيس عمل جديد، وتبحث عن المكان المناسب والفرص المتاحة.
الشروط اللازمة لإنجاح المشروع:
في حال اقتنعت الحكومة بجدوى مشروع حدائق الإنتاج الاقتصادية والاجتماعية، وقررت اعتماده وتقديم الدعم و الحماية و الرعاية اللازمة، فلابد من التأكيد على النقاط الهامة التالية عند التنفيذ، حرصاً على نجاح التجربة وتوسعها:
1. وضع قائمة بالصناعات المشمولة بالمشروع، والتي تتوفر فيها الشروط المطلوبة.
2. الانطلاق من الهدف الأسمى المتجسّد في توفير فرص عمل شريف ومنتج لأكبر عدد ممكن من السوريين، يوفر لهم ولأسرهم العيش الكريم والتأكيد على مبدأ الصناعة في خدمة الإنسان، وليس الإنسان في خدمة الصناعة. وانطلاقاً من هذا المبدأ، يجب وضع شروط صارمة لتوفير الصحة والسلامة المهنية وظروف عمل إنسانية, ونعتقد أنه مخطئ من يظن أن ذلك سوف يشكل عبئاً على تكاليف الإنتاج، بل بالعكس، فإن توفير تلك الشروط دون شطط أو تبذير يساهم في النهاية برفع المردود وتحسين الجودة واستقرار العمالة، وبالتالي زيادة القدرة على المنافسة وزيادة الأرباح.
3. التخلص من النظرة التقليدية لرب العمل، الذي كان كثيراً ما يتهم بالاستغلال و الجشع، وأحياناً بأنه مصاص الدماء؛ واستبدالها بمفهوم واقعي، وهو أنه مانح فرص العمل وانه في حال نجاح مشروعه سوف يسعى إلى التوسع ومنح فرص عمل جديدة، مما يشجع غيره على تقليده والاستثمار في هذا النشاط. وبقدر حرصنا على توفير أكبر عدد ممكن من فرص العمل، فإن من واجبنا أن نساعد رب العمل على تحقيق أرباح مجزية، شريطة التزامه بالقوانين ووفائه لحقوق العاملين المادية و المعنوية؛ كما يجب أن نصغي باهتمام واحترام لرب العمل،ونأخذ على محمل الجد شكاواه، ونعمل على تذليل الصعاب التي تعترضه.
4. وضع برامج تأهيل وتدريب، ونقل الخبرة للكوادر. تلبي هذه البرامج حاجة السوق في كل مركز من مراكز الصناعات الحرفية، وتعمل على الاستفادة القصوى من برامج المساعدات الفنية، مثل برامج الأمم المتحدة للتنمية والمساعدات الفنية المقدمة من الاتحاد الأوربي والجايكا اليابانية وغيرها، مع تقديم الحوافز المادية للشركات التي تساهم في عمليات التدريب.
5. يشكل وجود البناء المناسب أهمية كبيرة، من حيث تسهيل عمليات الإنتاج، ومن حيث تكلفة الإنتاج. وان وجود مكان للإنتاج تتوفر فيه المواصفات المطلوبة وبتكلفة معتدلة، يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، بعد عامل توفر الكوادر العاملة وبأجور معتدلة. ويمكن أن نطبق الدعم الذي عادة ما يقدم لحاضنات الأعمال على حدائق الإنتاج. كما يمكن أن تختار السلطات المركزية والبلدية المكان المناسب لإقامة حدائق الإنتاج، وتضع مخططات تنظيمية قابلة للتوسع حسب الطلب، بأن يتم- مثلاً- إجراء مسابقة لأفضل تصميم يستوفي المواصفات المطلوبة بأقل التكاليف الممكنة (عزل، تهوية، ارتفاع البناء، الضجيج، تباعد الأعمدة الداعمة، مرونة تقطيع المساحات اللازمة…. وغيره ) مع مراعاة جمالية المظهر الخارجي والذي يفضل أن يكون من الحجر الصناعي الأبيض الذي يوفر العزل والجمالية في الوقت نفسه مع التأكيد على الاستفادة من الطاقة الشمسية. هذه خطوط عامة يدقق فيها ويطورها الاختصاصيون.
يستحسن تشجيعاً للمستثمرين الحصول على الأرض مجاناً من أملاك الدولة أو بأسعار رمزية.
تضع الدولة شروط الاستثمار التي تضمن عدم المضاربة في أبنية المشروع واستخدامها لغير الغرض الذي بنيت لأجله، ويمكن ربط كل التسهيلات المقدمة من قبل الدولة بعدد فرص العمل المسجلة لدى التأمينات الاجتماعية.
يمكن تكليف شركات من القطاع الخاص بإقامة البناء ضمن الشروط و المواصفات التي تضعها الدولة، وتأجيره بغية تشجيع صغار المستثمرين الذين لا يملكون القدرة على شراء البناء الخاص بهم. فعلى سبيل المثال، فإن مشروع إنشاء ورشة للخياطة على مساحة 100متر مربع تشغّل 10 الى 15 عامل يمكن أن يكون هدفاً للعديد من الكوادر الشابة إذا توفر البناء بأجر مقبول بالإضافة إلى قرض ميسر لشراء الآلات.
6. تمكين المصانع من العمل بشفافية كاملة، لتجنب المخالفات الجماعية التي تجعل منها محل ابتزاز، إنجاز كل ما تحتاجه من معاملات بسرعة ويسر لقطع دابر الرشوة والأتاوات.
7. عدم السماح بأي انتشار أو توسع عشوائي، والالتزام الكامل بالمخططات التنظيمية والمواصفات المعتمدة للبناء.
8. إصدار التشريعات و القرارات اللازمة لقطع الطريق على المضاربين و المتطفلين الذين يسعون إلى الاستفادة من التسهيلات الممنوحة للمشروع من دون تحقيق الهدف من إقامته، وهو توفير فرص العمل، وبخاصة استغلال الأبنية المخصصة للمشروع لنشاطات غير صناعية.
9. إجراء مسح شامل لاختيار المدن التي تصلح لأن تكون المراكز المعتمدة للصناعات الحرفية والتي تفي بالشروط المطلوبة.
10. توفير أكبر دعم حكومي ممكن يتضمن حزمة من الإعفاءات و التسهيلات المغرية وربطها بعدد فرص العمل التي توفرها الشركة بعلاقة ذكية.
11. تأمين القروض الميسرة للتأسيس و السيولة اللازمة للتشغيل وضمان الصادرات تتشارك في تقديم تلك التسهيلات و القروض الدولة وبرامج المساعدات العربية و الأجنبية وبرامج التنمية التابعة للأمم المتحدة.
12. تخليص التكاليف الصناعية من: آ– التكاليف الغير ضرورية ب- التكاليف الطفيلية ت-التكاليف البيروقراطية.
13. تسهيل عمليات التخليص في الأمانة الجمركية القائمة في المركز على مدار الساعة وفي كل أيام الأسبوع لإنجاز عمليات الاستيراد والتصدير بالسرعة الكلية. وتبسيط إجراءات الإدخال المؤقت من أجل التصنيع وإعادة التصدير.
14. توفير خطوط شحن منتظمة للتصدير براً وبحراً وجواً.
15. وضع خطة شاملة لدعم مشروع حدائق الإنتاج تجمع ما أمكن من الميزات التي توفرها كل من المناطق الحرة الصناعية وبرامج الحاضنات الصناعية وبرامج دعم وتنشيط الصادرات.
تعاريف:
التكاليف غير الضرورية: وهي كل تكلفة يمكن توفيرها من دون الانتقاص من كمية ونوعية المنتَج. مثال على ذلك التكلفة المرتفعة لبناء المصنع في المناطق السكنية الغالية الثمن؛ أو بعد المسافة بين مكان العمل وسكن العمال، الذي ينتج عنه تكاليف نقل إضافية وخسارة قيمة وقت ضائع؛ أو سوء تنفيذ مكان المصنع الذي يؤدي غالباً إلى هدر في الطاقة اللازمة للتدفئة و التبريد وغيرها؛ والزمن الضائع والخسائر التي يمكن أن يسببها التأخير بالتنفيّذ وعدم انتظام ودورية خطوط الشحن للاستيراد و التصدير.
التكاليف الطفيلية: هي التكاليف التي تُدفع دون أن يكون لها مردود، أو أن يكون مردودها أقل بكثير من قيمتها. مثال ذلك: توظيف عمالة غير منتجة أو بكفاءات متدنية، ترضية لجهة ما، وتتقاضى أجوراً أعلى بكثير مما تقدمه من مردود؛ أو العمولات التي تُدفع للوكلاء و الوسطاء (الكومسيونات) من دون مبرر، والرشاوى والأتاوات التي تشكل في كثير من الحالات عبءً كبيراً على تكاليف الإنتاج.
التكاليف البيروقراطية: هي الخسائر التي يتحملها المنتج نتيجة التأخير في استكمال المعاملات الورقية اللازمة ومعاملات الاستيراد والتصدير، والتي كثيراً ما تعرقل انسيابية عمليات الإنتاج وتبطئ دورة رأس المال، وترتب على الشركة غرامات تأخير وبخاصة في عمليات الإدخال المؤقت من أجل التصنيع و إعادة التصدير؛ حيث تنخفض أجور التصنيع المدفوعة للشركة كلما طالت مدة التسليم.
مثال صناعة الملابس
ميزات صناعة الملابس:
1. على الرغم من كل التطور التكنولوجي الحاصل في العقود الأخيرة، فإن صناعة الملابس تبقى صناعة يدوية إلى حد، تعتمد على المهارات الفردية و تحتاج إلى عمالة مكثفة، وتوفر بالتالي من فرص العمل ما لا تستطيع توفيره أية، صناعة أخرى.
2. إن كلفة خلق فرصة العمل منخفضة جداّ في صناعة الملابس وهي تتراوح بين 100 إلى 300 ألف ليرة سورية، حسب نوعية الإنتاج.
3. المساحة المطلوبة لكل عامل من 6 إلى 8 أمتار مربعة في أغلب منشآت الخياطة.
4. صناعة الملابس هي من الصناعات الصديقة للبيئة بامتياز.
5. يمكن ضمن برامج تدريبية بسيطة و غير مكلفة تأهيل أعداد كبيرة جداً من طالبي العمل للانخراط في عملية الإنتاج. فمثلاً تأهيل عاملة خياطة (درزة و حبكة ) يستغرق 8 أسابيع، كما يمكن تأهيل العمال الفنيين و المهرة في عام دراسي واحد، إلى جانب المعاهد العليا لتكنولوجيا الملابس التي تخرج الخبراء و الفنيين و غالباً ما تستغرق مدة الدراسة فيها 3 سنوات. كما يمكن إقامة دورات تخصصية مكثفة للتفصيل و إدارة خطوط الإنتاج ومراقبة الجودة، وغيرها من الاختصاصات خلال فترة زمنية قصيرة.
6. إن الأسواق المتاحة لمنتجات الملابس السورية- في حال قدرتها على المنافسة- غير محدودة، حيث قدر حجم سوق الملابس في العالم بـ 700 مليار دولاراً في عام 2009 كما استوردت دول الاتحاد الأوربي وحدها في العام نفسه ملابس بما يقارب 75 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى الأسواق المجاورة و أسواق دول الخليج و السوق المحلي.
7. تتدرج صناعة الملابس من إنتاج ملابس شعبية رخيصة إلى أرقى الماركات العالمية. وعندما تزدهر هذه الصناعة في بلد ما، فإنها تتقدم تلقائياً عاماً بعد عام، نتيجة تراكم الخبرة التي ترقى بمستوى الجودة وتزيد المردود وتصبح قادرة على دفع أجور أفضل للعاملين. وباختصار، فإن البدء بدعم صناعة الملابس في سورية ورفع قدرتها التنافسية سوف يكون مصدراً هاماً لتوفير فرص العمل على مدى عشرات السنين القادمة، شريطة حضانتها في السنين الأولى، حتى تقوى ويشتد عودها وتصبح أقدر على المنافسة.
8. تعتمد صناعة الملابس بشكل أساسي على تشغيل النساء، وهذا يلبي حاجتنا الماسة إلى توفير فرص عمل للمرأة في الريف.
وضع السوق العالمي للملابس:
1. استوردت دول الاتحاد الأوربي في عام 2009 ملابس بقيمة 57 مليار يورو(75 مليار دولار). استحوذت 10 دول على 88 % من حجم المستوردات، ولا ذكر لصادرات الملابس السورية نظراً لضآلة حجمها.
2. ازداد استيراد الملابس في دول الاتحاد بنسبة 16% خلال السنوات الأربعة الأخيرة، بسبب تراجع الإنتاج الأوروبي من الملابس، والذي يتوقع أن يزداد تراجعه في السنين القادمة بسبب الارتفاع الكبير بأجور العمالة في كافة دول الاتحاد، بما في ذلك دول شرق أوربا التي انضمت مؤخراً للاتحاد، والتي كانت تصنع قسماً كبيراً من حاجة سوق الملابس في الاتحاد الأوربي.
3. حققت الدول الأكثر فقراً زيادات كبيرة في صادراتها إلى الاتحاد الأوربي في الأعوام الأربعة الأخيرة، مثل : فيتنام +73%, بنغلادش +45% , سريلانكا +46% بالإضافة إلى الصين التي حققت زيادة بنسبة 51%، وذلك كنتيجة مباشرة لانتهاء العمل بنظام الحصص في تجارة الملابس الدولية عام 2005.
يمكننا أخذ فكرة عما يهمنا من وضع السوق العالمي للملابس من خلال إلقاء الضوء على واقع صناعة الملابس في أربع دول، هي الصين الشعبية وتركيا وتونس وفيتنام، للوقوف على إمكانيات الفرص المتاحة لتصدير الملابس السورية إلى سوق الاتحاد الأوربي.
الصين:
تحتل الصين المركز الأول بلا منازع في مجال صناعة وتصدير الملابس في السوق العالمي. وقد وصلت حصتها على سبيل المثال عام 2009 إلى 44.7% من حجم مستوردات الاتحاد الأوربي للملابس، وهو ما شكل أكثر من 25 مليار يورو، وبرأيي إن هذه النسبة لا يمكن أن تستمر، للأسباب التالية:
1. ليس من مصلحة الاتحاد الأوربي أن تستحوذ دولة واحدة على ما يقارب نصف مستورداته من الملابس، و من المؤكد أن دول الاتحاد سوف تعمل على تخفيض تلك النسبة.
2. في بداية عام 2007، كان سعر صرف الدولار مقابل العملة الصينية 8.26 يوان. وقد تراجع في تشرين الثاني 2010 إلى 6.6 يوان للدولار الواحد، مما يعني رفع أسعار الملابس الصينية 25% تقريباً. ويُتوقع أنّ سعر الصرف سوف يستمر بالتراجع، نتيجة ضغوط الدول الغربية على الصين لزيادة قيمة عملتها، للحد من الفائض التجاري مع تلك الدول.
3. ارتفعت في السنين الأخيرة أجور العاملين في الصين، حيث أصبح الحد الأدنى للأجور ما يعادل 8000 ليرة سورية. ومستوى الأجور الحالي في الصين يوازي مستواها في سوريا تقريباً، وهو مرشح للزيادة بسرعة، نتيجة للنمو السريع للاقتصاد الصيني.
4. يفرض الاتحاد الأوربي رسوماً جمركية على مستوردات الملابس من الصين، بينما تعفى الملابس السورية من أية رسوم جمركية أو غيرها.
5. إن بعد المسافة عن دول الاتحاد الأوروبي يشكل عائقاً أمام بعض أصناف الملابس التي تتطلب سرعة في التسليم، بينما يشكل قرب المسافة من الاتحاد ميزة لصادرات الملابس السورية.
إن ما تقدم لا يعنى أن الصين سوف تخرج من السوق الأوروبية، ولكن من المؤكد أن حصتها في السوق ستنخفض في السنين القادمة بشكل كبير، حيث أنها ستتخلى عن تصدير الملابس الرخيصة التي تشكل قسماً كبيراً من صادراتها في الوقت الحاضر. هذا التراجع سيكون لصالح دول أخرى، من الممكن أن تكون سورية واحدة منها، إذا امتلكت القدرة على المنافسة.
تركيا:
تحتل تركيا المركز الرابع عالمياً في تصدير الملابس، حيث وصلت صادراتها من الملابس عام 2009 إلى 13 مليار دولار. واحتلت المركز الثاني بعد الصين في تصدير الملابس إلى دول الاتحاد الأوربي. فقد استحوذت على12.2 % من مستوردات الملابس لسوق الاتحاد الأوربية، التي قاربت قيمتها الـ 7 مليار يورو.
وتبين الإحصائيات الحديثة أن صادرات تركيا من الملابس إلى دول الاتحاد قد تراجعت بنسبة 13.7% في السنوات الأربعة الأخيرة؛ بسبب الارتفاع الحاد للأجور في السنوات القليلة الماضية. ومن المتوقع أن يزداد هذا التراجع في المستقبل بازدياد الأجور نتيجة النمو السريع الذي يحققه الاقتصاد التركي. إن تركيا مرشحة لأن تكون الشريك الاستراتيجي لتطوير صناعة الملابس في سورية وتصديرها. وسنعود لهذا الموضوع لاحقاً.
تونس:
إن تجربة تونس في صناعة الملابس يمكن أن تكون أفضل نموذج لتطوير صناعة الملابس في سورية، وخصوصاً إذا كان هدفنا أخذ حصة هامة في سوق الاتحاد الأوربي.
وصلت حصة صادرات تونس من الملابس إلى سوق دول الاتحاد الأوربي في عام 2009 إلى 3.9% من مجموع مستورداته من الملابس، وبلغت قيمتها 2.262 مليار يورو. وتبين الإحصائيات التونسية وجود 1724 شركة مصنعة للنسيج و الملابس مصدرة بالكامل، وهي تصدر معظم إنتاجها إلى دول الاتحاد الأوربي، وتشغِّل 178548 عاملاً، منها 378 شركة بمساهمة فرنسية، و249 شركة بمساهمة إيطالية، و113 شركة بمساهمة بلجيكية..
ومما يساعد تونس في ذلك قربها من دول الاتحاد، ووجود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي.
فيتنام:
لقد صدّرت فيتنام عام 2009 ما قيمته 9 مليار دولار ملابس، ذهب 84% منها إلى أسواق أمريكا والاتحاد الأوربي واليابان، من ضمنها 18% إلى دول الاتحاد الأوربي بلغت بقيمة 1.2 مليار يورو. وقد استطاعت فيتنام رفع صادراتها من الملابس إلى سوق الاتحاد الأوربي بنسبة 73% خلال الفترة 2005 – 2009، على الرغم من بعدها الجغرافي وافتقارها للأقمشة ولوازم الإنتاج التي تستورد معظمها من الصين.
شروط المنافسة لتصدير الملابس إلى الأسواق العالمية:
تساهم ثلاثة عوامل أساسية في تحديد القدرة على المنافسة في أسواق الملابس العالمية، هي على التوالي حسب الأهمية:
التسليم في الوقت المحدد- ومطابقة البضاعة للنموذج المتعاقد عليه- و أخيراً السعر المنافس. يحتل شرط التسليم في الوقت المحدد الأهمية القصوى، لكون الملابس بضاعة موسمية شديدة التأثر بمتغيرات الموضة، ومرتبطة بالمواسم وتقلبات الطقس.
و بما أن المستورد الرئيسي للملابس في العالم هو الشركات الكبيرة في الدول الصناعية، التي تعمل ضمن برامج محددة لانسياب البضائع في صالات بيع المفرق. وأي تأخير عن المواعيد المحددة يسبب لها إرباكات وخسائر كبيرة، تحمّلها تلك الشركات للمُصدّر- عادةً- الذي تأخر بالتسليم على شكل حسومات كبيرة، أو أنها تقوم حتى برفض البضاعة كلياً وتحميل المصّدر غرامات عدم التسليم وفوات الربح.
إن الشرط الثاني من حيث الأهمية هو أن تكون كل البضاعة متجانسة و مطابقة للعقد و خالية من العيوب، وأي اختلاف أو خطأ يعطي المستورد الحق بتخفيض قيمتها أو رفضها إذا زادت نسبة الخطأ عن المسموح به عالمياً. وتحقيق ذلك يتطلب وجود كوادر ماهرة.
إن السعر شرط هام و أساسي لدخول السوق العالمية، على الرغم من أنه يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بعد التسليم و الجودة.
وصناعة الملابس هي من الصناعات التي تشتد فيها المنافسة، ولا تتحمل إضافة أي تكاليف غير ضرورية أو طفيلية، نظراً لسهولة إقامتها في الدول الفقيرة، التي تسعى- كما نسعى في سورية- لخلق فرص عمل لشعوبها.
صناعة الملابس في سورية :
كانت صناعة الملابس السورية حتى وقت قريب تحتكر السوق المحلية بالكامل. وعلى مدى عشرات السنين، لم تتعرض لأي نوع من المنافسة مع منتجات الدول الأخرى، مما أضعفها و منعها من التطور الطبيعي الذي تفرضه شدة المنافسة وكانت تستطيع إضافة كل التكاليف البيروقراطية غير الضرورية والطفيلية وتكاليف نقص الخبرة وانخفاض المردود إلى سعر المبيع للمستهلك الذي كان مجبراً على دفعها، ولا يملك أي خيارات أخرى. وفجأة، وجدت نفسها قبل بضع سنوات في مواجهة شرسة وغير متوقعة مع الملابس الصينية و التركية. فخسرت في مدة وجيزة ما يقدره البعض بـ 70 % من السوق المحلي في بعض الأصناف، وهي مرشحة لأن تخسر المزيد إذا لم يتسنَّ إنقاذها بالسرعة الكلية. وتشير المجموعة الإحصائية السورية إلى أن سورية استطاعت أن تصدر عام 2009 ما قيمته 475 مليون دولار، وهذا دليل على أنها- بالرغم من كل الصعوبات التي تواجهها- مازالت تملك العديد من نقاط القوة في بعض الأسواق المجاورة وأسواق دول الخليج العربي. ولكننا نلاحظ في الوقت نفسه أن مستورداتنا من الملابس ارتفعت من 533 مليون ليرة عام 2008 لتصل إلى مليار و94 مليون عام 2009، أي أكثر من الضعفين، في الوقت الذي تراجعت فيه صادراتنا من الملابس عام 2009 بأكثر من مليار ليرة سورية، عنها في عام 2008.
الأسواق المستهدفة لتصريف منتجات الملابس السورية هي:
1- السوق المحلي
إن غزو الملابس المستوردة للسوق السوري وسرعة انتشارها في السنوات القليلة الماضية مؤشر يدعو للقلق، وبخاصة عندما تكون الملابس المستوردة من الأنواع الشعبية وبكميات كبيرة، في الوقت الذي تبقى فيه عشرات آلاف الفتيات بدون عمل في الريف السوري بعد إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو ثانوية الفنون النسوية. ومن المؤكد أن دورة تعليم الخياطة لمدة ثمانية أسابيع فقط، يمكن أن تحول تلك الفتاة إلى عاملة خياطة في خطوط الإنتاج. وكل ما تحتاجه آلة خياطة قد لا تزيد قيمتها عن 700 دولار، ومكان من بضعة أمتار مربعة في ورشة أو مصنع للخياطة، في حدائق الإنتاج القريبة من منزلها.
إن سوق الملابس السوري الذي يضم أكثر من عشرين مليون مستهلك يجب أن يكون محل اهتمام كبير، وإن الدفاع عنه لا يكون بمنع الاستيراد أو فرض رسوم جمركية عليه، وإنما بمساعدة مصنعي الملابس على رفع مستوى الجودة وخفض التكاليف بكل الوسائل الممكنة، وبتوفير كل أنواع الأقمشة اللازمة ومستلزمات الإنتاج من دون عقبات أو رسوم جمركية؛ ليكون أمام المنتج السوري أوسع الخيارات التي تساعده على تصنيع ما يتطلبه السوق بالسعر المناسب والسرعة المطلوبة، وعدم تحميل المصنع السوري أعباء جمركية عند استيراد الأقمشة ولوازم الإنتاج، في الوقت الذي تدخل الملابس المستوردة- والتي كثيراً ما تكون مدعومة من حكوماتها- إلى السوق السوري بيسر وسهولة، مستفيدة من اتفاقيات التبادل الحر.
إن تصنيع الملابس للسوق السوري بجودة عالية وأسعار مغرية، بالإضافة إلى ما يوفره من فوائد اقتصادية في الدفاع عن أسواقنا المحلية وتوفير مزيد من فرص العمل، فإنه يمكن أن يشكل عامل جذب كبير لسياحة التسوق، وبخاصة من دول الجوار ودول الخليج، وكذلك مركزاً هاماً لتجارة الشنطة التي يمكن أن تشكل إضافة هامة للصادرات السورية، كما أنه يساعد على تحقيق الربح من اتفاقيات التبادل الحر بدلاً من الخسارة.
2- أسواق الدول المجاورة والخليج العربي
شكلت أسواق العراق و الأردن ولبنان ومصر ودول الخليج العربي أسواقاً تقليدية للكثير من أصناف الملابس السورية على مدى العقود الماضية، إذ تتمتع بميزات تفضيلية كثيرة، إضافة إلى وجود اتفاقية التبادل الحر العربية التي تعفي الملابس السورية من أية رسوم جمركية. وفي حال نجاح مشروع حدائق الإنتاج وازدهار صناعة الملابس في سورية، فإن حصة منتجاتنا من تلك السوق يمكن أن تتضاعف عدة مرات في سوق يصل حجمها إلى عشرات مليارات الدولارات سنوياً، ولا تملك صناعة ملابس منافسة لملابس سورية لا في الوقت الحاضر و لا في المستقبل المنظور، باستثناء مصر.
3- سوق الاتحاد الأوربي:
كما ورد سابقاً فقد استوردت دول الاتحاد الأوربي عام 2009 ما قيمته 75 مليار دولار، هذا ولا ننسى اتفاقية التعاون بين الجمهورية العربية السورية و المجموعة الاقتصادية الأوربية الموقعة في 18/1/1977 حيث تشير المادة التاسعة فيها إلى إلغاء الرسوم الجمركية و الضرائب ذات الأثر المعادل المفروضة على مستوردات المجموعة من المنتجات السورية المنشأ، والتي تشمل تقريبا كافة المنتجات الصناعية الحرفية وأهمها الملابس ابتداءً من الأول من تموز 1977، وهي مازالت سارية المفعول حتى اليوم.
كما تتضمن اتفاقية التعاون حق منتجات الملابس المصنعة في سورية في الحصول على شهادة يورو ون، التي تعفي الملابس السورية من أية رسوم جمركية أو غيرها من الرسوم، في حال بدأت الصناعة من الخيط، أو في حال كانت الأقمشة ذات منشأ أوربي( عمليات الإدخال المؤقت بقصد التصنيع وإعادة التصدير للشركات الأوربية).
تركيا الشريك الاستراتيجي الأمثل لبناء صناعة ملابس متطورة في سورية:
كثيرا ما يجري الخلط بين صناعة الملابس وصناعة الأقمشة. والحقيقة أننا نتكلم عن صناعتين مختلفتين. فبينما تعتمد صناعة الأقمشة بشكل كبير على الآلة والأتمتة، وتتطلب استثمارات كبيرة واستهلاكاً مرتفعاً في الماء و الكهرباء وعدداً محدوداً جداً من العمالة، تبقى صناعة الملابس كما ذكرنا سابقا صناعة يدوية حرفية لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة، وتوفر عدداً غير محدود من فرص العمل.
ولكن ذلك لا ينفي الترابط الوثيق بين الصناعتين. وقد تنتعشان كلاهما معا في دولة واحدة، كما هو الحال في الصين وتركيا، أو نرى استمرارية صناعة النسيج في الدول الغنية مثلاً من دون صناعة الملابس، أو العكس كما هو الحال في دول مثل فيتنام التي ازدهرت صناعة الملابس فيها اعتماداً على استيراد الأقمشة ومستلزمات الإنتاج من الصين. وفي حالة تونس و المغرب، فإنهما تستوردان أغلب مستلزماتهما من الأقمشة ولوازم الإنتاج من دول الاتحاد الأوربي القريبة. ومن الشائع أن تقوم شركات في الدول التي أصبحت غير قادرة على تصنيع الملابس بسبب ارتفاع أجور العمالة، بتصنيع مجموعة موديلاتها في دول مجاورة، حيث ترسل الأقمشة ولوازم الإنتاج لتتم عملية الخياطة لصالحها، وتعرف هذه العلاقة بـ CM (قص وتصنيع cutting-making ). وهذا ما يحصل في تونس والمغرب مع الشركات الأوربية.
مما تقدم يمكن أن تلعب تركيا دور الشريك الاستراتيجي في مسار ازدهار صناعة الملابس في سورية للأسباب التالية:
1. بالإضافة لكون تركيا ثاني أكبر مصدر للملابس لدول الاتحاد الأوربي، فإنها ثامن أكبر مُصّدر للأقمشة في العالم وتصنع معظم أنواع الأقمشة المطلوبة للملابس المصدرة إلى الاتحاد الأوربي.
2. نلاحظ من الجدول السابق أن حصة تركيا من مستوردات الملابس لسوق الاتحاد الأوربي كانت عام 2005 16,5%، وانخفضت إلى 12,2% عام 2009، أي انخفضت أكثر من الربع خلال أربع سنوات، بسبب تراجع قدرتها على المنافسة في بعض الملابس الشعبية و القمصان و اللباس الموحد و الملابس الرياضية، بعد أن ارتفعت أجور الأيدي العاملة فيها بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وعلى الأرجح فإن تلك الأصناف يمكن أن تُشكل بداية انطلاقة صناعة الملابس في سورية بقصد تصديرها إلى دول الاتحاد الأوربي، مستعملة الأقمشة و لوازم الخياطة التركية.
3. لدى تركيا خبرة كبيرة في متطلبات سوق الاتحاد الأوربي من الملابس يمكن أن يستفيد منها الشريك السوري لدخول الاتحاد الأوربي، وتكون الشركات التركية وسيطاً مفيداً، على الأقل في السنوات الأولى.
4. قرب تركيا الجغرافي من سوريا ومن الاتحاد الأوربي يؤهلها للعب دور الشريك الثالث.
5. تتمتع تركيا بميزة وجود اتفاقية اتحاد جمركي مع دول الاتحاد الأوربي كما تتمتع المنتجات السورية من الملابس بميزة الإعفاء من الرسوم الجمركية لدى الاتحاد الأوربي؛ فيمكن الاستفادة من إصدار شهادة منشأ تراكمية للمنتجات الملابس السورية المصنعة من أقمشة تركية و المصدّرة إلى دول الاتحاد الأوربي، لتتمتع بالإعفاء الكامل من الرسوم الجمركية.
6. يمكن أن تستفيد صادرات الملابس السورية إلى دول الاتحاد من أسطول الشاحنات التركي الضخم.
7. من المتوقع ازدياد المستثمرين الأتراك بالاستثمار بصناعة الملابس في سورية إذا توفرت الظروف المناسبة لتغطية احتياجات السوق المحلي التركي والتصدير إلى الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي.
8. إن قدوم المستثمرين الأتراك سوف يرافقه نقل الخبرة في صناعة الملابس والتي نحن بأمس الحاجة إليها.
الدورالمتوقع للاتحاد الأوربي في نجاح مشروع حدائق الإنتاج:
تتضمن اتفاقية الشراكة الموقعة بالأحرف الأولى بشكل تفصيلي ما يتعهد به الاتحاد الأوربي من مساهمة في تطوير الصناعة السورية. فتشير المادة 95 من الاتفاقية إلى أن التعاون بين الطرفين” يهدف إلى تحديد وتوظيف الوسائل الأكثر فاعلية لتحسين الوضع بصورة ملموسة في قطاع التعليم و التأهيل و التدريب المهني في سورية.”
كما حثّت على التعاون الصناعي في المادة 98، من خلال التشجيع على ما يلي:
أ. التعاون بين الفعاليات الاقتصادية في سورية والمجموعة، بما في ذلك انضمام سورية لشبكات المجموعة لتحقيق التقارب بين الشركات التجارية والشبكات المؤسسة في إطار التعاون اللامركزي.
ب. التحديث وإعادة هيكلة الصناعة السورية، بما في ذلك بنيتها التحتية ومؤسساتها الداعمة في المجالات ذات الصلة كالمواصفات القياسية وضمان الجودة أو التصميم الصناعي؛
ج. تأسيس وتشجيع بيئة توفر المناخ الملائم لتطوير المشاريع الخاصة بقصد تحفيز نمو وتنويع الإنتاج الصناعي من منظور التنمية المستدامة؛
د. التعاون بين المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم في سورية والمجموعة؛
هـ. الابتكار والبحث والتطوير واكتساب التكنولوجيا والمنتجات للإسهام في التنمية الاقتصادية في سورية؛
و. تنويع المخرجات الصناعية في سورية؛
ز. تعزيز الموارد البشرية؛
ح. تحسين الوصول إلى التمويل الاستثماري؛
ط. تحفيز الابتكار والتجديد؛
ك. تحسين خدمات الدعم المعلوماتي؛
ل. أو أي مجال تعاون آخر يتفق عليه الطرفان.
ونصت المادة 24 على أنه: ” تُمنَح المنتجات المستوردة من أراضي الطرف الآخر معاملة لا تقل تفضيلاً عن تلك الممنوحة للمنتجات المحلية المثيلة فيما يخص كل القوانين والأنظمة والمتطلبات المؤثرة على مبيعاتها الداخلية وعروض البيع والشراء والنقل والتوزيع أو الاستخدام.”
نرى مما تقدم أن دول الاتحاد الأوربي تتعهد بتقديم المساعدة و الدعم اللازم لتطوير وتحديث وإعادة هيكلة الصناعة السورية، والمساهمة في التعليم و التاهيل و التدريب المهني، ومساعدة الصناعة السورية على تحسين الوصول إلى التمويل الاستثماري وغيره من أنواع الدعم.
هذا بالإضافة إلى فتح أسواق الاتحاد الأوربي أمام المنتجات الصناعية السورية معفاة من جميع الرسوم الجمركية و أية رسوم اخرى حيث تعامل المنتجات الصناعية السورية المصدرة إلى الاتحاد الاوربي معاملة االبضائع المثيلة المنتجة في دول الاتحاد الأوربي.
ولا يغيب عن ذهننا أن سوق دول الاتحاد الاوربي- التي تضم حوالي 450 مليون مستهلك- مازالت بالنسبة لنا فرصة ذهبية ضائعة، على الرغم من كل التسهيلات المقدمة.
إن إنتاج بضائع تلبي حاجة تلك السوق يعني بالنتيجة إمكانية توفير عدد لا محدود من فرص العمل في الصناعات الحرفية في سورية.
وما يمكن ان ننتجه في حدائق الانتاج السورية من منتجات حرفية لايوجد له مثيل في الانتاج الصناعي الأوربي، بسبب طبيعة تلك المنتجات التي تتطلب عمالة ماهرة تقوم بعمل يدوي يتعذر القيام به في دول الاتحاد، بسبب ارتفاع أجور العمال لأكثر من عشرة أضعاف منها في سورية.
كما توجد إمكانية كبيرة لتصنيع أجزاء من الصناعات الأوربية تحتاج إلى المهارة والعمل اليدوي، حيث يمكن تدريب وتأهيل العمال السورين للقيام بتلك الاعمال لصالح الشركات الاوربية.
تأمين مئات آلاف فرص العمل يحتاج إلى آلاف المستثمرين:
لإقامة مشروع حدائق الانتاج لا بد من وجود أربعة اطراف:
الأول هو طالب العمل، الذي يتوجب عليه تحسين مؤهلاته التعليمية ومهاراته المهنية ليحصل على فرصة عمل أفضل.
والثاني هو الدولة، التي من واجبها توفير التعليم و التدريب والتأهيل وتقديم التسهيلات الضرورية وكل دعم ممكن.
والثالث هو الدول والمنظمات الأجنبية المانحة للمساعدات الفنية والمالية، عبر برامج التنمية أو الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية.
الطرف الرابع هو المستثمر، الذي نفهم أنه لن يستثمر في حدائق الانتاج بدافع الحاجة، كما هو الحال مع طالب العمل، ولا بدافع الواجب مثل الحكومة، ولا بدافع الوفاء بالتزاماته مثل الدول والمؤسسات المانحة للمساعدات؛ وإنما هو باحث عن فرص للربح، مفتوحة أمامه كل الخيارات، مثل المضاربة بالعقارات والتجارة والسياحة والنقل. وكي يختار الاستثمار في حدائق الإنتاج، يجب أن نطمئنه إلى أن استثماراته سوف تكون مربحة في المدى المنظور، ومضمونة على المدى البعيد. إضافة إلى االدور الاجتماعي والاخلاقي الذي يلعبه في توفير فرص العمل.
فإذا اردنا فعلاً تحقيق هدفنا الاسمى في توفير مئات آلاف فرص العمل في حدائق الإنتاج، فإن أمامنا مهمة شاقة، هي إقناع ألوف المستثمرين- وهم هنا مانحو فرص العمل- بالمشاركة في هذا المشروع. ونكرر هنا أنه قد آن الآوان لتغير النظرة التي كانت سائدة عن المستثمر لدى الكثيرين من موظفي الدولة، تلك التي تعتبره مُستغِلاً- أومصاص دماء أحياناً- وأن ابتزازه مستباح.
لا شك أن توفير فرص عمل لمئات ألوف العائلات في الريف السوري هو واجب مقدس، يستحق بذل كل جهد ممكن من الجميع. ومن خلال تجربتي لعقود في الصناعة، فإن إيماني لا يتزعزع بأن شاباتنا وشبابنا قادرون على إنجاح هذا المشروع وتحقيق معجزة بناء صناعة مزدهرة عندما تتوفر ظروف العمل المناسبة شريطة صون كرامتهم وعدم انتقاص حقوقهم.