الدعوة لتشكيل المجلس السوري المؤقت

هيئة المبادرة الوطنية السورية

في ظل الأوضاع الصعبة التي تعاني منها بلادنا ويمر بها شعبنا العظيم وثورته المجيدة، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى لأن تتداعى فصائل المعارضة السياسية والقوى الثورية التي تناضل من أجل اسقاط نظام الأسد وإنهاء معاناة شعبنا والانتقال نحو دولة ديمقراطية تعددية قوية ومستقرة، كي تلتقي في إطار قيادي جامع. إطار يعبئ طاقاتها ويدعم صمود شعبنا ويمثل الثورة وأهدافها على الوجه الأمثل، ويعمل كل ما من شأنه أن يسهم في قلب موازين القوى لصالح اسقاط نظام الأسد وانتصار الثورة على الصعيدين الداخلي السوري والخارجي.

إن شعبنا يضحي يومياً بأغلى ما يملك في مواجهة الحرب التي يشنها نظام الأسد ضده، يصمد أمام النكبات المتكررة ويفقد موارده وأسباب معاشه، وهو اليوم أحوج ما يكون لبلوغ غاياته وتحقيق آماله دون تأخير. لتحقيق ذلك، يتحتّم على جميع القوى أن تتحرك معاً ودون إبطاء فترسي أسساً تساعد الثورة على تنظيم صفوفها وتوسيع رقعتها ومخاطبة أبناء الشعب السوري كافة، وتضمن سيادتها واستقلاليتها، وتحصّنها من احتمالات التبعية والزلل والتطرّف، كما تتمكن من تحصيل الدعم العربي والدولي السياسي والعسكري والإغاثي ومن إدارته، فما يتلقاه ملايين المنكوبين اليوم من مساعدات لا يتجاوز نسبة بسيطة من حاجتهم الماسّة؛ وفي مواجهة الحاجة وحكم الضرورة يتزايد خطر المسّ بالسيادة الوطنية. إن من شأن ذلك أن يقود إلى تغيير موازين القوى داخل الوطن وخارجه لصالح انتصار الثورة والتغيير الديمقراطي واسقاط نظام الأسد المجرم الفاسد.

إن متطلبات الواقع الذي يعيشه شعبنا وتعيشه الثورة يفرض علينا اليوم إلى التداعي لتشكيل إطار لا يلغي ولا يهمّش أياً من الجهات الثورية والمعارضة، وإنما يوفّق بينها جميعاً في بنية تنظيمية تضمن العمل المشترك البنّاء. إن الوطن بأمس الحاجة اليوم لوجود قيادة قوية، قائمة على المشاركة والندية لا على التفرد والاستئثار،تعمل على الاستجابة لحاجات الثورة وتدعم صمود شعبنا –الذي هو الأساس في انتصار الثورة- وتطمئن أبناءه جميعاً إلى مستقبلهم. إن ذلك من شأنه أن يجعل هذه البنية التنظيمية تحظى بتأييد الشعب السوري فتمتلك بذلك الشرعية للحصول على الاعتراف بها ممثلاً له.

في هذا السياق، وإيماناً منا بأن الشعب السوري قادر بكل مكوناته على المضي في ثورته قدماً، وعلى بلوغ النصر مهما عظمت التحديات، والتزاماً بواجبنا الوطني نتداعى لتشكيل المجلس السوري المؤقت، إطاراً جامعاً يمتاز بالحيوية والمرونة والكفاءة، يعمل وفق الأسس الديموقراطية، وبالاستناد إلى وثائق مؤتمر القاهرة التي أجمعت عليها المعارضة السورية في تموز 2012، كما يضمن عدم السقوط في فراغ سياسي لحظة سقوط النظام الأسدي.

إن إدراك جميع الجهات السورية المعارضة اليوم لهذه المسؤولية وتصدّيهم لها، سيمكّن المجلس المؤقت من الاستجابة للاستحقاقات العاجلة والطارئة، ومن تحقيق الأولويات التالية:

القيادة السياسية:

إن الشجاعة الاستثنائية التي يواجه بها مناضلوا الثورة الميدانيون إجرام النظام وبطشه، بحاجة لقيادة تحرك سياسي ضروري ولا غنى عنه على الساحة الداخلية وعلى صعيد المجتمع السوري وعلى الساحات العربية والاقليمية والدولية. على هذا الجهد أن يسعى لتوفير العوامل الداخلية والخارجية الضرورية لانتصار الثورة واسقاط النظام ودخول البلاد في مرحلة انتقالية تفضي بالنهاية إلى نظام سياسي ديمقراطي تعددي وفق ما نصت عليه وثائق مؤتمر المعارضة في القاهرة في تموز 2012.

الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني السوري:

إن غياب الإطار التنظيمي الجامع يجعل الثورة السورية، بكل فئات العاملين فيها والمتأثرين بها، غير قادرين على التعامل مع العوامل الاقليمية والدولية الفاعلة في الشأن السوري كنواة صلبة موحدة القرار والاتجاه، الأمر الذي يجعلها تتأثر بالاختلافات في الظروف والرؤى والتقييمات اللقوى الاقليمية والدولية، الحكومية وغير الحكومية، ويزداد تعقيد المشهد بفعل ازدياد الحاجة إلى الدعم المادي لتغطية احتياجات المنكوبين من أبناء شعبنا أو للجيش الحر بما يلحق الضرر بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السوري ويخلق إرباكاً لدى أشقاء وأصدقاء الشعب السوري أيضاً. من الضروري أن يتم تنظيم صفوف الثورة وتأمين احتياجاتها من خلال إطار وطني سوري جامع يتم حصر التمويل عبره وضمان حصانته بحيث يتمكن من التعامل مع أشقاء وأصدقاء الشعب السوري ومختلف الأطراف الخارجية الفاعلة في الشأن السوري بكفاءة وفاعلية ووضوح.

صندوق دعم الشعب السوري

لا بد للمجلس المؤقت من التعاون مع القوى الشقيقة والصديقة، في سبيل تأسيس صندوق دعم دولي، يتم جمع المساعدات الدولية على اختلافها فيه، ويتم العمل بشكل حثيث على استعادة أموال الشعب السوري التي سرقها النظام وزبانيته، وإدارتها بشفافية وبشكل غير منفرد، بما يفيد الثورة والمواطن السوري ويعزز من صموده، ، وبما يضمن حسن الدخول في المرحلة الانتقالية فور سقوط النظام. إن تأسيس صندوق مركزي يديره المجلس السوري المؤقت، بوصفه جهة جامعة لا تفرّدية، وإطاراً عاماً لا تجمعاً حزبياً أو جهوياً، يسمح بتحصيل أموال كثيرة لا يمكن تحصيلها بدون تشكيله، ولا يمكن لجهة سورية غير جامعة أن تطالب بها، كما يقدم ضمانة أساسية للسيادة الوطنية ولاستقلال قرار الثورة السورية، ولقدرة الثورة على إدارة شؤونها بشكل رشيد وشفاف.

دعم الجيش الحر

إن عمل الجيش الحر باعتباره قوة تغيير أساسية في الحالة السورية ينبغي أن يكون محدد الغايات والأهداف السياسية ويمتلك استراتيجية تحرك تخدم هذه الأهداف وأن يكون ملتزماً باطار سياسي وطني، الأمر الكفيل بالحفاظ عليه قوة تغيير لصالح انتصار الثورة بعيداً عن الفوضى وانحراف الوجهة لا قدر الله، ويسهل لاحقاً حفظ الأمن واستقرار البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

وبينما يخط أبطال الجيش الحر مآثر تاريخية من الشجاعة والبطولة في وجه آلة القتل النظامية الوحشية، فإنهم يعانون من ضعف في تنظيم الصفوف ونقص في الامداد، كما يتطفّل عليهم مجرمون ولصوص ومتطرفون. كل هذا يحدث بسبب غياب الإطار التنظيمي، المعتمد على القيادات والمجالس الميدانية للجيش الحر، بمختلف تشكيلاته. إن تنظيم عمل الجيش الحر وتمويله وتسليحه، وحفظ كرامة ومعاش مقاتليه وعائلاتهم بالاعتماد على قياداته الميدانية، وتوفير احتياجاته بشكلٍ سيادي وطني هو واجب عاجل ولا يمكن التأخير فيه.

إدارة المناطق المحررة

تتسع رقعة المناطق المحررة كل يوم، ويترك أهلها أمام تحديات التنظيم المدني الصعبة، بخسائر هائلة في البنية التحتية. تحتاج المناطق المحررة إلى آليات عمل وتنظيم ودعم، تقوم على مجالس محلية تخصصية، وخبرات تكنوقراطية، وبرامج انمائية استثنائية، وإلى توفير ميزانيات كافية لتخفيض الأذى على الأهلين وتسريع عودة الحياة إلى مجاريها، بدعم الإنتاج المحلي والمساعدات الإغاثية والطبية وتعويض غياب المدارس والمشافي والجهات الأمنية والقضائية، بشكل آمنٍ ومنظم. كما يجب أن يتم تأسيس بوابات جمركية في المناطق الحدودية، بإدارة وطنية، كي يتم تنظيم الاستيراد والتصدير، وتتمكن الثورة من إقامة التبادل التجاري والعسكري ومن توفير احتياجات المواطنين بأقل درجة من الفوضى.

الوحدة الوطنية

إن غاية السوريين المشتركة، كما بيّنت وثيقة العهد الوطني، هي تأسيس دولة ديموقراطية مدنية تعددية. يتوجّب على المجلس المؤقت أن يعمل في نفس الإطار الديموقراطي، هيكلياً وتنفيذياً، كي يضمن صيانة الوحدة الوطنية وحماية حاضر الوطن ومستقبله من الطائفية والمصالح الفئوية،. كما أن ضمان مشاركة السوريين جميعاً في مستقبل البلاد –عدا من تلطخت أيديهم بالدماء- يتطلب حماية مؤسسات الدولة، والعاملين فيها، وتعميم ثقافة الحفاظ على أملاك الشعب السوري وبنية الوطن التحتية، والفصل بينها وبين النظام المتسلّط عليها. وكل هذا لا يمكن أن يتحقق بدون قيادة وطنية حرّة وجامعة وتعددية تمثل الإرادة الشعبية السورية وتدافع عنها وتحميها.

التخطيط للمرحلة الانتقالية

تحضير الدراسات الضرورية واتخاذ التدابير التمهيدية لعبور المرحلة الانتقالية بشكل آمن وسريع، بأقل الخسائر، وتجاوز عقابيل سقوط النظام بأفضل صورة ممكنة، والتحضير لمؤتمر وطني شامل يجمع كل أطياف السوريين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدم السوري يقام في دمشق فور سقوط النظام، ويتمخض عنه مجلس انتقالي وحكومة تسيير أعمال يقومان بإدارة المرحلة الانتقالية بكل صعوباتها وضروراتها، التي تتضمن وضع ميزانية اعادة الإعمار الاستثنائية وإطلاق العمل بها، وتعويض العائلات المنكوبة، وتوفير فرص العمل، وإصلاح أليات العمل الحكومي، والعمل على تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، وذلك بما يتوافق مع وثائق مؤتمر القاهرة.

الاعتراف الدولي

إن الوصول إلى اعتراف دولي فعليّ بالثورة السورية يفسح المجال لحل مشكلات كثيرة تعوّق عمل الثورة والثوار إلى اليوم، وتضرّ بمصالح المواطنين السوريين في الداخل وفي الخارج. وغياب مثل هذا الإطار إلى اليوم هو العامل الرئيسي في حفاظ النظام القمعي على موقفه دولياً.

تأسيس الإطار الوطني الجامع، المتمثل بالمجلس السوري المؤقت، أضحى اليوم شرطاً للتمكن من المطالبة بمليارات الدولارات من ودائع النظام وأهله في العالم، وهي من أموال الشعب السوري المنهوبة، كما يفسح المجال لاستلام السفارات السورية في الخارج، لتطوير العمل الدبلوماسي للمعارضة السورية وتنظيمه، فضلاً عن تقديم الخدمات الضرورية للمغتربين والمهجرين، كما أنه شرط لتمكن الثورة السورية من التعاقد على شراء الحاجات الأساسية بشكل مباشر، واستيراد ما يحتاجه من أغذية وأدوية، ومن أسلحة نوعية تساعد الثوار السوريين على تحييد أسلحة النظام الثقيلة، عبر بوابات جمركية وطنية بإدارة وطنية، وبالتالي، لا تظل الثورة السورية متعلقةً بآمال التدخل الخارجي وحسب.