البيان الانتخابي للدور التشريعي السابع للمرشح رياض سيف

البيان الختامي للمرشح رياض سيف

إنها لمناسبة سعيدة تدعو للتفاؤل أن نعيش ذكرى التصحيح ممزوجة بالاستحقاق الديموقراطي لاختيار أعضاء مجلس الشعب للدور السابع، هذا المجلس الذي نريد له أن يكون مختلفاً عما سبقه في استيعاب نهج التصحيح كي نتمكن من التغلب على ما ينتظرنا من التحديات الجسام.

لا بد لنا في هذه المرحلة من تفعيل حياتنا الديموقراطية بمزيد من حرية التعبير لنطلق العنان لعقول وإبداعات مواطنينا على اختلاف تياراتهم الفكرية فبتلاقح الأفكار تولد الحقيقة وبالنقد البناء تستمر مسيرة التصحيح، وإن تفعيل الديموقراطية يجب أن يبدأ من زيادة الوعي لدى كل مواطن بحرصه على انتخاب من ثبت كفاءته وأمانته من المرشحين.

لقد عقدت العزم على ترشيح نفسي لنيل ثقتكم وبهذه المناسبة أضع بين أيديكم ملخصاً مكثفاً يوضح الأمور كما أراها في وضعنا الحالي، وكيف يجب أن تكون لتحقيق هدفنا الأسمى في بناء مجتمع العدل والقوة والرفاه.

الاقتصاد الوطني: منذ عام 1990 انتهت مرحلة الحرب الباردة وسيطر اقتصاد السوق ولم يعد الاكتفاء الذاتي هدفاً وحل محله تشجيع وتنشيط التبادل التجاري وأصبحت قوة أي اقتصاد تقاس بمدى قدرته على التعايش مع اقتصاديات العالم في عصر سمي بعصر العولمة تتلاشى فيه الحدود الجمركية وتتقلص برامج الدعم للمنتجات المحلية. يمتاز بحرية انسياب البضائع والخدمات والأموال.

لقد أدركت أكثرية الدول النامية ودول ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي ضرورة التأقلم مع المتغيرات ووضعت كل دولة برنامجها الخاص لإعادة هيكلة اقتصادها فمنها من نجح ومنها من تعثر ولكننا لم نحزم أمرنا حتى اليوم وما زلنا نشكك بضرورة إعادة هيكلة اقتصادنا الذي ما زال يفتقر إلى نظام مصرفي حقيقي وبيئة مناسبة لنمو الشركات المساهمة الكبيرة وسوق للأسهم والسندات.

إن فرصتنا في اللحاق بركب الاقتصاد العالمي لم تعد كبيره وربما نكون أمام الفرصة الأخيرة التي يجب أن لا نضيعها كي نتجنب الآثار المدمرة لاقتصاد صغير منعزل عاجز عن فهم لغة عصره. ولذا يجب علينا بالسرعة الكلية استنفار كل الخبراء والمفكرين ورجالات الاقتصاد لتشكيل ورشة عمل تشرف على وضع وتنفيذ برنامج متكامل لإعادة هيكلة اقتصادنا بما يحقق مصالحنا المستقبلية مع الحرص الشديد على أن يكون برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً في آن واحد ويعتمد على شرطين أساسيين:

تفعيل ثروتنا البشرية: يبلغ عدد الأسر التي تعيش على راتب الدولة أكثر من مليون ونصف أسرة. ولا يزيد متوسط دخل هذه الأسر الشهري عن (5000) ل. س. وبمقارنة هذا الدخل مع تكاليف المعيشة نجد أن هناك خللاً كبيراً بات يشكل حاجزاً مانعاً أمام كل تطور ويؤدي إلى الإحباط الشديد لدى كل القادرين على العطاء ويخرب بنيتنا الاجتماعية ويخلق الأرض الخصبة لتفشي الفساد الإداري والرشوة من قبل الذين أفتوا لأنفسهم قبول الرشوة في البداية كضرورة لتعويض ما انتقص من رواتبهم لينتهي المطاف ببعضهم إلى جمع الثروات الطائلة بعد أن أصبحوا مدمنين على الرشوة.

وإن حجة عدم مقدرة الحكومة على توفير الموارد لزيادة الرواتب غير مقنعة لأن ما نخسره من أموال بسبب السلبيات الناتجة عن الرواتب الهزيلة هو أضعاف ما نتوهم أننا نوفره بانتقاصها. لا بد من زيادة الرواتب في الدولة ومعالجة مشكلة الأجور في القطاع الخاص وذلك لإعادة الأمور إلى نصابها ضمن خطة واضحة يفهمها ويشارك فيها كل مواطن وتعتمد على:

÷ إصدار القوانين اللازمة لإنعاش اقتصادنا ليكون أقدر على توفير فرص عمل منتج يساهم بزيادة موارد الخزينة.

÷ التخلص من تراكمات البطالة المقنعة وتحويل الفائض من موظفي الدولة إلى الأعمال المنتجة في القطاع الخاص.

÷ تحصين المال العام من الهدر والاختلاس وتحويل المبالغ الضائعة لتكون مصدر دخل للخزينة يساعدها على رفع الرواتب.

÷ إيجاد نظام ضريبي عادل يفعل النشاط الاقتصادي ويضاعف إيرادات الخزينة من الضرائب العادلة.

÷ وضع برنامج لرفع الرواتب لتصل إلى نقطة التوازن مع التكاليف المعيشية خلال خمس سنوات.

÷ إعادة المنطق السليم إلى الفرق بين الحد الأدنى والحد الأعلى للراتب والذي انخفض من سبعة أضعاف عام 1962 إلى 2.7 ضعف في وقتنا الحاضر مما سبب الإحباط لدى النخبة المثقفة من أبنائنا وشكل نزيقاً خسرت نتيجته مؤسسات الدولة الكثير من أصحاب الخبرات العالية.

÷ القيام ببرنامج مكثف للتدريب والتأهل لموظفي الدولة وإدخال المعلوماتية لجميع دوائر الدولة وربط ترفيع الموظفين بما يكتسبونه من مهارات جديدة وإلغاء سقف الرواتب لأن إمكانيات الإنسان وإبداعه لا سقف لها.

أما عمال ومستخدمو القطاع الخاص فإن وضع الكثير منهم ليس أحسن من وضع موظفي الدولة لما يحصلون عليه من أجور منخفضة حيث إنهم مضطرون لقبول أي راتب يعرض عليهم نتيجة البطالة الكبيرة في صفوفهم ولا بد لنا من أن نوفر لهم فرص عمل ذات مردود أفضل من خلال تنشيط وزيادة التدريب والتأهيل للوصول إلى ثقافة صناعية وثقافة زراعية وثقافة سياحية وثقافة في كل مجالات الحياة تمكننا من تفعيل واستثمار كل مواردنا البشرية.

توظيف ثروتنا المادية: لا بد لتطوير أي اقتصاد من العمل على تراكم رأس مال وطني واستثماره لمصلحة تحفيز الاقتصاد ونموه ويكون ذلك بالادخار الذي يشمل ادخار الأسرة من فائض دخلها وادخار المؤسسات الاقتصادية من فائض أرباحها وادخار ميزانية الدولة بما تقوم به من مشاريع استثمارية.

وإذا أمعنا النظر بنهجنا الاقتصادي الحالي سنجد أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح بل في الاتجاه المعاكس.

فالأكثرية الساحقة من الأسر لا تحصل على الحد الأدنى الضروري لمتطلباتها وإذا توفر لبعضها فائض من المال فهي لا تجد الفرصة المجدية والمأمونة لاستثماره.

أما مؤسساتنا الاقتصادية فإنها غير مستقرة تعيش في قلق مما يخبئه لها المستقبل من مفاجآت ضريبة كما ترهقها المصاريف الطفيلية التي لا مبرر لها فتبدد قوتها وتأكل أرباحها وتجعلها عاجزة عن الادخار وبالتالي عاجزة عن النمو والتوسع.

أما الاستثمارات الحكومية والتي تغذى من الخزينة فلا يخفى على أحد سوء تنفيذها ونسب الهدر والضياع فيها.

لقد أدى قصور الأنظمة والقوانين إلى فقدان البيئة المناسبة للاستثمار المنتج وأجبر رأس المال الوطني في أغلب الحالات على الضياع في استثمارات وهمية أو الهجرة خارج البلاد حيث تقدر أموال السوريين في الخارج بعشرات مليارات الدولارات.

الفوضى الضريبية: إن ما نعيشه من فوضى اقتصادية ناتج بالدرجة الأولى عن الفوضى الضريبية فالموظف والعامل يدفع 11٪ عن راتبه الهزيل (5000 آلاف) ل. س. بينما نمنح لعدد لا يتجاوز المئة إعفاءات تزيد عن 20 مليار ل. س. لشركات تأجير السيارات تحت غطاء قانون الاستثمار.

لقد أصبحت القوانين الضريبية قاصرة عن استيعاب المتغيرات مما أجبر القطاع الخاص على التقوقع والتستر لاتقاء تلك القوانين والتي لها صلاحيات الحكم بالإعدام على أية مؤسسة اقتصادية مما حرم اقتصادنا من الشفافية اللازمة لنموه الطبيعي وإن التحصيل العشوائي كثيراً ما قضى ويقضي على المطارح الضريبية مما دفع الكثيرين إلى التوقف والهجرة لإقامة منشآتهم خارج القطر ومنع قدوم الاستثمارات العربية والأجنبية إلى بلدنا. يجب أن تكون من أولى مهمات مجلس الشعب القادم تحقيق العدالة الضريبية عن طريق إعادة النظر بالكثير من القوانين لخلق جو من الثقة تتفرغ فيه مؤسساتنا الاقتصادية لعملها فتتطور وتكبر لتساهم في بناء اقتصاد متين نحن بأمس الحاجة إليه.

صناعتنا الوطنية: نظراً لعدم توفر الشروط الضرورية لبناء مشاريع صناعية ضخمة فقد اقتصر نشاط القطاع الخاص الصناعي على الاستثمار في الصناعات الصغيرة والمتوسطة ذات المردود السريع والتي تعتمد على تلبية احتياجات سوقنا المحلي. ويقتصر نشاط قسم كبير منها على مجرد التجميع أو عمليات المزج وإعادة التعبئة. لقد بدأت هذه الصناعات تعاني من كساد خطير لكونها تتنافس ضمن سوق فقير وضيق وتقف عاجزة عن المنافسة في الأسواق العالمية. كما أن قسماً كبيرا منها مهدد بالانقراض عند فتح حدودنا الجمركية أمام البضائع العربية والأجنبية تطبيقاً للاتفاقيات التي وقعناها مع لبنان الشقيق ودول مجموعة التبادل الحر العربية وما ننوي توقيعه مع دول الاتحاد الأوروبي مضافاً إلى كل ذلك انعكاسات تطبيق اتفاقية التجارة العالمية سواء دخلنا في الاتفاقية أم لم ندخل.

إن ترك صناعتنا الوطنية الضعيفة تصارع قدرها دون أن نقدم لها ما تحتاجه من عون ورعاية سوف يتسبب باختناقات اقتصادية واجتماعية فنتحول إلى مجتمع استهلاكي فقير عاجز عن تأمين ما يحتاجه من فرص العمل.

القطاع العام: إن قطاعنا العام الصناعي الذي كان ركيزة لصناعتنا في العقود السابقة وأدى دوراً اقتصادياً واجتماعياً متميزاً أصبح اليوم يواجه تحديات خطيرة نتيجة عدم إعطائه هامشاً للتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية وبتنا نطالبه بالصمود دون أن نوفر له الحد الأدنى اللازم لذلك. فنظام الرواتب والأجور جعله يخسر الكثير من النخبة الفنية والإدارية وما يقيده من أنظمة وقوانين يفقده المرونة الضرورية للعمل كقطاع يخضع لمبدأ العرض والطلب. وإن الحل لن يكون بالخصخصة ولكن بإزالة العقبات عن طريق إعادة التوازن للرواتب وإعطاء المدراء صلاحيات تتناسب مع مسؤولياتهم حيث لا مسؤولية دون صلاحية.

أيها الأخوة: إن شعبنا فتي وعدد الوافدين الجدد على سوق العمالة يتجاوز المئتي ألف سنوياً بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل اليوم ومن يتوجب علينا تحويلهم من البطالة المقنعة إلى العمل المنتج كل هؤلاء بحاجة إلى عمل شريف يؤمن معيشتهم ويضمن كرامتهم، مما يعني أننا بحاجة إلى أكثر من 1.5 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات الخمس القادمة. لا بد أن نأخذ ذلك على محمل الجد ونسعى بكل ما أوتينا من قوى لبناء صناعة وطنية متطورة وتحقيق نمو اقتصادي اجتماعي يعم خيره على الجميع.

إصلاح التعليم: يشكل التعليم مؤشراً حاسماً على سلامة بنية المجتمع فمستقبل الأمة مرهون بما توفره لأبنائها من تعليم سليم قائم على التطوير المستمر في المناهج والاختيار الدقيق للمعلم وتأهيله كي يحتل مكانته كمرب للأجيال. وان الوضع ألمعاشي غير اللائق الذي يعيش به المعلمون وينعكس على عطائهم لدرجة أن استمرار هذا الوضع بات يهدد مستوى التعليم عندنا في كافة مستوياته.

قدسية القضاء: أما نزاهة القضاء وقدسيته فلا مجال للتساهل فيها أبداً لأن كل مواطن شريف بحاجة إلى الاطمئنان والحماية من تعديات الآخرين من خلال القوانين العادلة التي تطبق على الجميع سواء بسواء ويجب أن نحذر كل الحذر من استفحال ما تسرب إلى قضائنا من تجاوزات وإن الطريق إلى ذلك يكون بانتقاء القضاة الأكفاء النزيهين وإعطائهم الحصانة الضرورية وتوفير العيش الكريم لهم في حاضرهم ومستقبلهم بما يتناسب مع الأمانة الملقاة على عاتقهم.

البيئة: إن تربة الوطن ومياهه وغاباته وهواءه ليست ملكاً لجيل أو فئة من المواطنين وإنما هي هبة من الله حافظ عليها أجدادنا وآباؤنا ومن الأمانة أن نحافظ عليها ونتمتع بخيراتها ونسلمها مصانة نظيفة لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا.

وما نقوم به من استنزاف لمياهنا الجوفية وتلويث قسم كبير منها وتمليح مساحات شاسعة من أراضينا الزراعية وتلويث أنهارنا وشواطئنا وأجواء مدننا يعتبر جريمة بحق أنفسنا وحق الأجيال القادمة ولا بد من وضع حد لكل ذلك بإصدار وتطبيق مجموعة قوانين بيئية واضحة وصارمة ونشر الثقافة البيئية بين المواطنين.

فتعالوا نبن الوطن الأخضر بسواعد المنتجين.

تعالوا نبن وطن النور بعقول المثقفين.

تعالوا نبن وطن المحبة بالإيمان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رياض سيف